للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَوْصُولُ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا لِلْإِيمَاءِ إِلَى عِلَّةِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ بِالتَّدْمِيرِ.

وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا النَّظْمِ إِيجَازٌ عَجِيبٌ اخْتُصِرَتْ بِهِ الْقِصَّةُ فَذُكِرَ مِنْهَا حَاشِيَتَاهَا: أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودُ بِالْقِصَّةِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْأُمَمِ التَّدْمِيرَ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ.

وَالتَّدْمِيرُ: الْإِهْلَاكُ، وَالْهَلَاكُ: دُمُورٌ.

وَإِتْبَاعُ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ لِمَا فِي تَنْكِيرِ الْمَصْدَرِ مِنْ تَعْظِيمِ التَّدْمِيرِ وَهُوَ الْإِغْرَاقُ

فِي اليمّ.

[٣٧]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٣٧]

وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧)

عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ [الْفرْقَان: ٣٥] بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَصْفُ قَوْمِهِ بالتكذيب والإخبار عَنْهُم بِالتَّدْمِيرِ.

وَانْتَصَبَ قَوْمَ نُوحٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ أَغْرَقْناهُمْ عَلَى طَرِيقَةِ الِاشْتِغَالِ، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِكَلِمَةِ لَمَّا لِأَنَّهَا كَالظَّرْفِ، وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مُفَسِّرُ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ، وَفِي هَذَا النَّظْمِ اهْتِمَامٌ بِقَوْمِ نُوحٍ لِأَنَّ حَالَهُمْ هُوَ مَحَلُّ الْعِبْرَةِ فَقَدَّمَ ذَكْرَهُمْ ثُمَّ أَكَّدَ بِضَمِيرِهِمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَقَوْمَ نُوحٍ عَطْفًا عَلَى ضَمِيرِ النَّصْبِ فِي قَوْله فَدَمَّرْناهُمْ [الْفرْقَان: ٣٦] أَيْ وَدَمَّرْنَا قَوْمَ نُوحٍ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ مبيّنة لجملة فَدَمَّرْناهُمْ.

وَالْآيَةُ: الدَّلِيلُ، أَيْ جَعَلْنَاهُمْ دَلِيلًا عَلَى مَصِيرِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَهُمْ. وَجَعْلُهُمْ آيَةً:

هُوَ تَوَاتُرُ خَبَرِهِمْ بِالْغَرَقِ آيَةٌ.

وَجُعِلَ قَوْمُ نُوحٍ مُكَذِّبِينَ الرُّسُلَ مَعَ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا رَسُولًا وَاحِدًا لِأَنَّهُمُ اسْتَنَدُوا فِي تَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُمْ إِلَى إِحَالَةِ أَنْ يُرْسِلَ اللَّهُ بَشَرًا لِأَنَّهُمْ قَالُوا: