للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَحْتَاجُ إِلَى التَّأْكِيدِ وَإِنَّمَا الشَّيْءُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْمٌ بِهِ هُوَ أَنَّ مِنْ حِكْمَةِ تَصْرِيفِهِ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مَعَ نُزُولِهِ عَلَيْهِمْ وَفِي حَالَةِ إِمْسَاكِهِ عَنْهُمْ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَقْدُرُ قَدْرَ النِّعْمَةِ إِلَّا عِنْدَ فَقْدِهَا فَيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّبُّ الْوَاحِدُ الْمُخْتَارُ فِي خَلْقِ

الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ وَقَدْ كَانُوا لَا يَتَدَبَّرُونَ حِكْمَةَ الْخَالِقِ وَيُسْنِدُونَ الْآثَارَ إِلَى مُؤَثِّرَاتٍ وَهْمِيَّةٍ أَوْ صُورِيَّةٍ.

وَلَمَّا كَانَ التَّذَكُّرُ شَامِلًا لِشُكْرِ الْمُنْعِمِ عَلَيْهِمْ بِإِصَابَةِ الْمَطَرِ وَلِتَفَطُّنِ الْمَحْرُومِينَ إِلَى سَبَبِ حِرْمَانِهِمْ إِيَّاهُ لَعَلَّهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، جِيءَ فِي التَّعْلِيلِ بِفِعْلِ لِيَذَّكَّرُوا لِيَكُونَ عِلَّةً لِحَالَتَيِ التَّصْرِيفِ بَيْنَهُمْ.

وَقَوْلُهُ: فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً تَرْكِيبٌ جَرَى بِمَادَّتِهِ وَهَيْئَتِهِ مَجْرَى الْمَثَلِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ تَصْمِيمِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى مَا بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُودَ الصَّارِفِ عَنِ الْمُسْتَثْنَى، أَيْ فَصَمَّمُوا عَلَى الْكُفُورِ لَا يَرْجِعُونَ عَنْهُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ عُمُومِ أَشْيَاءٍ مُبْهَمَةٍ جُعِلَتْ كُلُّهَا مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ الْإِبَاءُ كَأَنَّ الْآبِينَ قَدْ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ- مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنْ خَوَاطِرِهِمْ- أُمُورٌ وَرَاجَعُوا فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهَا إِلَّا الْكُفُورَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ عَرْضٌ وَلَا إِبَاءٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ: [٣٢] وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ اسْتُعْمِلَ هُنَا فِي مَقَامِ مُعَارَضَةِ الْمُشْرِكِينَ لِلتَّوْحِيدِ وَفِي سُورَةِ بَرَاءَةَ فِي مَقَامِ مُعَارَضَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْإِسْلَامِ. وَشِدَّةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي كُفْرِهِمْ مَعْلُومَةٌ مَكْشُوفَةٌ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصّفّ: [٨] : يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ.

وَالْكُفُورُ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْكُفْرِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ، أَيْ أَبَوْا إِلَّا الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ وَعَدَمَ التَّذَكُّرِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لِيَذَّكَّرُوا بِتَشْدِيدِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ مُدْغَمَةً فِيهَا التَّاءُ وَأَصْلُهُ لِيَتَذَكَّرُوا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِسُكُونِ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ مَضْمُومَةً، أَيْ لِيَذْكُرُوا مَا هُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ.

وَيُؤْخَذُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُنَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ لَا يَخْتَلِفُ مِقْدَارُهُ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ مَقَادِيرُ تَوْزِيعِهِ عَلَى مَوَاقِعِ الْقَطْرِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا عَامٌ أَقَلُّ مَطَرًا مِنْ عَامٍ وَلَكِنَّ