للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهَ قَسَّمَ ذَلِكَ بَيْنَ عِبَادِهِ عَلَى مَا شَاءَ. وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ.

وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ سَنَةٍ بِأَمْطَرَ مِنْ أُخْرَى وَلَكِنْ إِذَا عَمِلَ قَوْمٌ الْمَعَاصِيَ صَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِمْ فَإِذَا عَصَوْا جَمِيعًا صَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَى الْفَيَافِيِ وَالْبِحَارِ»

اه. فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمَطَرِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ لَا تَخْتَلِفُ كِمِّيَّتُهُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ تَوْزِيعُهُ. وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ قَرَّرَهَا عُلَمَاءُ حَوَادِثِ الْجَوِّ فِي الْقَرْنِ الْحَاضِرِ، فَهُوَ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ الْعِلْمِيَّةِ الرَّاجِعَةِ إِلَى الْجِهَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ لِهَذَا التَّفْسِيرِ.

وَجَوَّزَ فَرِيقٌ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ صَرَّفْناهُ عَائِدًا إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ مَعْلُومٍ فِي الْمَقَامِ مُرَادٍ بِهِ الْقُرْآنُ قَالُوا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَإِنَّهَا افْتُتِحَتْ بِذِكْرِهِ، وَتَكَرَّرَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الْفرْقَان: ٣٠] . وَأَصْلُ هَذَا التَّأْوِيلِ مَرْوِيٌّ عَنْ عَطَاءٍ، وَلِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً [الْفرْقَان: ٥٢] .

وَقِيلَ الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ، أَيْ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا هَذَا الْكَلَامَ وَكَرَّرْنَاهُ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُل ليذّكروا.

[٥١، ٥٢]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : الْآيَات ٥١ إِلَى ٥٢]

وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢)

جُمْلَةُ اعْتِرَاضٍ بَيْنَ ذِكْرِ دَلَائِلِ تَفَرُّدِ اللَّهِ بِالْخَلْقِ وَذِكْرِ مِنَّتِهِ عَلَى الْخَلْقِ. وَمُنَاسِبَةُ مَوْقِعِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَتَفْرِيعِهَا بِمَوْقِعِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا خَفِيَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً: اقْتِضَابٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ. تَقْدِيرُهُ: وَلَكِنَّا أَفْرَدْنَاكَ بِالنِّذَارَةِ وَحَمَّلْنَاكَ فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ اه.

فَإِنْ كَانَ عَنَى بِقَوْلِهِ: اقْتِضَابٌ، مَعْنَى الِاقْتِضَابِ الِاصْطِلَاحِيِّ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَدَبِ وَالْبَيَانِ، وَهُوَ عَدَمُ مُرَاعَاةِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكَلَامِ الْمُنْتَقَلِ مِنْهُ وَالْكَلَامِ الْمُنْتَقَلِ إِلَيْهِ، كَانَ عُدُولًا عَنِ الْتِزَامِ تَطَلُّبِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَالْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَلَيْسَ الْخُلُوُّ عَنِ الْمُنَاسَبَةِ بِبِدَعٍ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ «تَلْخِيصِ الْمِفْتَاحِ» «وَقَدْ يُنْقَلُ مِنْهُ (أَيْ مِمَّا شُبِّبَ بِهِ الْكَلَامُ) إِلَى مَا لَا يُلَائِمُهُ (أَيْ لَا يُنَاسِبُ الْمُنْتَقَلَ مِنْهُ) وَيُسَمَّى الِاقْتِضَابَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَرَبِ وَمَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْمُخَضْرَمِينَ» إِلَخْ. وَإِذَا كَانَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنَى