للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَفْرِيعُ فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ عَلَى جُمْلَةِ وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَهُمْ يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْكَفَّ عَنْ دَعْوَتِهِمْ وَعَنْ تَنَقُّصِ أَصْنَامِهِمْ.

وَالنَّهْيُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّحْذِيرِ وَالتَّذْكِيرِ، وَفِعْلُ تُطِعِ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ يُفِيدُ عُمُومَ التَّحْذِيرِ مِنْ أَدْنَى طَاعَةٍ.

وَالطَّاعَةُ: عَمَلُ الْمَرْءِ بِمَا يُطْلَبُ مِنْهُ، أَيْ فَلَا تَهِنْ فِي الدَّعْوَةِ رَعْيًا لِرَغْبَتِهِمْ أَنْ تَلِينَ لَهُمْ.

وَبَعْدَ أَنْ حَذَّرَهُ مِنَ الْوَهَنِ فِي الدَّعْوَةِ أَمَرَهُ بِالْحِرْصِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهَا. وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْجِهَادِ وَهُوَ الِاسْمُ الْجَامِعُ لِمُنْتَهَى الطَّاقَةِ. وَصِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ فِيهِ لِيُفِيدَ مُقَابَلَةَ مَجْهُودِهِمْ بِمَجْهُودِهِ فَلَا يَهِنُ وَلَا يَضْعُفُ وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِالْجِهَادِ الْكَبِيرِ، أَيِ الْجَامِعِ لِكُلِّ مُجَاهَدَةٍ.

وَضَمِيرُ بِهِ عَائِدٌ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ: فَإِمَّا أَنْ يَعُودَ إِلَى الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ مَقَامِ النِّذَارَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَفْهُومِ مِنْ «لَا تُطِعْ» وَهُوَ الثَّبَاتُ عَلَى دَعْوَتِهِ بِأَنْ يَعْصِيَهُمْ، فَإِنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ كَمَا دلّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ:

فَقُلْنَ لَهَا سِرًّا فَدِينَاكِ لَا يَرُحْ ... صَحِيحًا وَإِنْ لَمْ تَقْتُلِيهِ فَأَلْمِمِ

فَقَابَلَ قَوْلَهُ: «لَا يَرُحْ صَحِيحًا» بِقَوْلِهِ: «وَإِنْ لَمْ تَقْتُلِيهِ فَأَلْمِمِ» كَأَنَّهُ قَالَ: فَدَيْنَاكِ فَاقْتُلِيهِ.

وَالْمَعْنَى: قَاوِمْهُمْ بِصَبْرِكَ. وَكِبَرُ الْجِهَادِ تَكْرِيرُهُ وَالْعَزْمُ فِيهِ وَشِدَّةُ مَا يَلْقَاهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ. وَهَذَا

كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ عِنْدَ قُفُولِهِ مِنْ بَعْضِ غَزَوَاتِهِ «رَجَعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ» . قَالُوا: «وَمَا الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ» ؟ - قَالَ: مُجَاهَدَةُ الْعَبْدِ هَوَاهُ»

. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَد ضَعِيف.

[٥٣]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٥٣]

وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣)

عَوْدٌ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى تَفَرُّدِهِ تَعَالَى بِالْخَلْقِ. جَمَعَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اسْتِدْلَالًا وَتَمْثِيلًا