للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَأْمُرُنَا بِالسُّجُودِ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، أَوْ لَا نَسْجُدُ لِلَّذِي تَأْمُرُنَا بِالسُّجُودِ لَهُ إِنْ كَانَتْ مَا مَوْصُولَةً، وَحُذِفَ الْعَائِدُ مِنَ الصِّفَةِ أَوِ الصِّلَةِ مَعَ مَا اتَّصَلَ هُوَ بِهِ لِدَلَالَةِ مَا سَبَقَ عَلَيْهِ، وَمَقْصِدُهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِبَاءُ السُّجُودِ لِلَّهِ لِأَنَّ السُّجُودَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ سُجُودٌ لِلَّهِ بِنِيَّةِ انْفِرَاد الله بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهُمْ لَا يُجِيبُونَ إِلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ [الْقَلَم: ٤٣] ، أَيْ فَيَأْبَوْنَ، وَقَالَ: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ [المرسلات: ٤٨] . وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَزادَهُمْ نُفُوراً فَالنُّفُورُ مِنَ السُّجُودِ سَابِقٌ قَبْلَ سَمَاعِ

اسْمِ الرَّحْمَنِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تَأْمُرُنا بِتَاءِ الْخِطَابِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ يَقُولُونَهُ بَيْنَهُمْ وَلَا يُشَافِهُونَ بِهِ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي زادَهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْقَوْلِ الْمَأْخُوذِ مِنْ وَإِذا قِيلَ لَهُمُ.

وَالنُّفُورُ: الْفِرَارُ مِنَ الشَّيْءِ. وَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى لَازِمِهِ وَهُوَ الْبُعْدُ. وَإسْنَاد زِيَادَة لنفور إِلَى الْقَوْلِ لِأَنَّهُ سَبَبُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فَهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ نُفُورٍ مِنْ سُجُودٍ لِلَّهِ فَلَمَّا أمروا بِالسُّجُود للرحمان زَادُوا بُعْدًا مِنَ الْإِيمَانِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ نُوحٍ [٦] فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً.

وَهَذَا مَوْضِعُ سَجْدَةٍ مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ بِالِاتِّفَاقِ. وَوَجْهُ السُّجُودِ هُنَا إِظْهَارُ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ إِذْ أَبَوا السُّجُود للرحمان، فَلَمَّا حُكِيَ إِبَاؤُهُمْ من السُّجُود للرحمان فِي مَعْرِضِ التَّعْجِيبِ مِنْ شَأْنِهِمْ عُزِّزَ ذَلِكَ بِالْعَمَلِ بِخِلَافِهِمْ فَسَجَدَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَا مُخَالِفًا لَهُمْ مُخَالَفَةً بِالْفِعْلِ مُبَالَغَةً فِي مُخَالَفَتِهِ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ أَبْطَلَ كُفْرَهُمْ بِقَوْلِهِ: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الْفرْقَان: ٥٨] الْآيَاتِ الثَّلَاثَ. وَسَنَّ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ السُّجُودَ فِي هَذَا الْموضع.

[٦١]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٦١]

تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ جُعِلَ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [الْفرْقَان: ٦٣] الْآيَاتِ الَّتِي هِيَ مَحْصُولُ الدِّعَامَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الدَّعَائِمِ الثَّلَاثِ الَّتِي أُقِيمَ عَلَيْهَا بِنَاءُ هَذِهِ السُّورَةِ، وَافْتُتِحَتْ كُلُّ دِعَامَةٍ مِنْهَا بِ تَبارَكَ الَّذِي ... إِلَخْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي