للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَكَرُوا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: الْأَسْمَاءُ الَّتِي يَكْتُبُهَا السَّحَرَةُ فِي التَّمَائِمِ أَسْمَاءُ أَصْنَامٍ.

وَقَدْ حَذَّرَ الْإِسْلَامُ مِنْ عَمَلِ السِّحْرِ وَذَمَّهُ فِي مَوَاضِعَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضِي إِثْبَاتِ حَقِيقَةٍ وُجُودِيَّةٍ لِلسِّحْرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَكِنَّهُ تَحْذِيرٌ مِنْ فَسَادِ الْعَقَائِدِ وَخَلْعِ قُيُودِ الدِّيَانَةِ وَمِنْ سَخِيفِ الْأَخْلَاقِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي إِثْبَاتِ حَقِيقَةِ السِّحْرِ وَإِنْكَارِهَا وَهُوَ اخْتِلَافٌ فِي الْأَحْوَالِ فِيمَا أَرَاهُ فَكُلُّ فَرِيقٍ نَظَرَ إِلَى صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ مَا يُدْعَى بِالسِّحْرِ. وَحَكَى عِيَاضٌ فِي «إِكْمَال الْمعلم» أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ ذَهَبُوا إِلَى إِثْبَاتِ حَقِيقَتِهِ. قُلْتُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ وَصْفُ كَيْفِيَّةِ السِّحْرِ الَّذِي أَثْبَتُوا حَقِيقَتَهُ فَإِنَّمَا أَثْبَتُوهُ عَلَى الْجُمْلَةِ. وَذَهَبَ عَامَّةُ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ تمويه وتخييل وَأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الْخِفَّةِ وَالشَّعْوَذَةِ وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا اقْتَضَتْهُ حِكَايَةُ عِيَاضٍ فِي «الْإِكْمَالِ» ، قُلْتُ وَمِمَّنْ سُمِّيَ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الِإسْتِرَابَادِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. وَالْمَسْأَلَةُ بِحَذَافِرِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ تَدْخُلُ فِي عِقَابِ الْمُرْتَدِّينَ وَالْقَاتِلِينَ وَالْمُتَحَيِّلِينَ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَلَا تَدَخُلُ فِي أُصُولِ الدِّينِ. وَهُوَ وَإِنْ أَنْكَرَهُ الْمَلَاحِدَةُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ إِنْكَارُهُ إِلْحَادًا. وَهَذِهِ الْآيَةُ غَيْرُ صَرِيحَةٍ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ آنِفًا.

وَشَدَّدَ الْفُقَهَاءُ الْعُقُوبَةَ فِي تَعَاطِيهِ. قَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ السَّاحِرُ وَلَا يُسْتَتَابُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يُقْتَلُ بَلْ يُؤَدَّبُ إِلَّا إِذَا أَدْخَلَ بِسِحْرِهِ أَضْرَارًا عَلَى مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْعَهْدِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضُوا لِلْمُسْلِمِينَ بِالْأَذَى قَالَ الْبَاجِيُّ فِي «الْمُنْتَقَى (١) » رَأَى مَالِكٌ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ وَشِرْكٌ وَدَلِيلٌ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَسْتَتِرُ صَاحِبُهُ بِفِعْلِهِ فَهُوَ كَالزَّنْدَقَةِ لِأَجْلِ إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَإِبِطَانِ الْكُفْرِ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَأَصْبَغُ هُوَ كَالزِّنْدِيقِ إِنْ أَسَرَّ السِّحْرَ لَا يُسْتَتَابُ وَإِنْ أَظْهَرَهُ اسْتُتِيبَ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ

مَالِكٍ لَا خِلَافٌ لَهُ قَالَ الْبَاجِيُّ فَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ مِنَ السِّحْرِ هُوَ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ أَصْبَغُ يَكْشِفُ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ وَيُثْبِتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ.

وَفِي «الْكَافِي» لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إِذَا عَمِلَ السِّحْرَ لِأَجْلِ الْقَتْلِ وَقَتَلَ بِهِ قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا، وَقَدْ أَدْخَلَ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» السِّحْرَ فِي بَابِ الْغِيلَةِ، فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْقَبَسِ» وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَسْحُورَ لَا يَعْلَمُ بِعَمَلِ السِّحْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ السِّحْرَ الَّذِي جُعِلَ جَزَاؤُهُ الْقَتْلُ هُوَ مَا كَانَ كُفْرًا صَرِيحًا مَعَ الِاسْتِتَارِ بِهِ أَوْ حَصَلَ بِهِ إِهْلَاكُ النُّفُوسِ وَذَلِكَ أَنَّ السَّاحِرَ كَانَ يَعِدُ مَنْ يَأْتِيهِ لِلسِّحْرِ بِأَنَّ فُلَانًا يَمُوتُ اللَّيْلَةَ أَوْ غَدًا أَوْ يُصِيبُهُ جُنُونٌ ثُمَّ يَتَحَيَّلُ فِي إِيصَالِ


(١) كَذَا وَلَعَلَّ المُرَاد من يرج أَو يجوز بِهِ.