للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْقَلْبُ: الْإِدْرَاكُ الْبَاطِنِيُّ.

وَالسَّلِيمُ: الْمَوْصُوفُ بِقُوَّةِ السَّلَامَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا السَّلَامَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ الْمَجَازِيَّةُ، أَيِ الْخُلُوصُ مِنْ عَقَائِدِ الشِّرْكِ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الزُّكَاءِ النَّفْسِيِّ. وَضِدُّهُ الْمَرِيضُ مَرَضًا مَجَازِيًّا قَالَ تَعَالَى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [الْبَقَرَة: ١٠] . وَالِاقْتِصَارُ عَلَى السَّلِيمِ هُنَا لِأَنَّ السَّلَامَةَ بَاعِثُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الظَّاهِرِيَّة وَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْقُلُوبِ هَذِهِ السَّلَامَةُ فِي الدُّنْيَا بِاعْتِبَارِ الْخَاتِمَةِ فَيَأْتُونَ بِهَا سَالِمَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدي ربّهم.

[٩٠- ٩٥]

[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : الْآيَات ٩٠ إِلَى ٩٥]

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤)

وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥)

الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَاوُ الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا لَا يَنْفَعُ مالٌ [الشُّعَرَاء: ٨٨] ، أَيْ يَوْمَ عَدَمِ نَفْعِ مَنْ عَدَا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَقَدْ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ. وَالْخُرُوجُ إِلَى تَصْوِيرِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ شَيْءٌ اقْتَضَاهُ مَقَامُ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِيمَانِ بِالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ الدَّعْوَةَ بِإِلْقَاءِ السُّؤَالِ عَلَى قَوْمِهِ فِيمَا يَعْبُدُونَ إِيقَاظًا لِبَصَائِرِهِمْ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِإِبْطَالِ إِلَهِيَّةِ أَصْنَامِهِمْ. وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ اسْتِئْهَالِهَا الْإِلَهِيَّةَ بِدَلِيلِ التَّأَمُّلِ، وَهُوَ أَنَّهَا فَاقِدَةٌ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَعَاجِزَةٌ عَنِ النَّفْعِ وَالضُّرِّ، ثُمَّ طَالَ دَلِيلُ التَّقْلِيدِ الَّذِي نَحَا إِلَيْهِ قَوْمُهُ لَمَّا عَجَزُوا عَنْ تَأْيِيدِ دِينِهِمْ بِالنَّظَرِ.

فَلَمَّا نَهَضَتِ الْحُجَّةُ عَلَى بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ أَصْنَامِهِمُ انْتَصَبَ لِبَيَانِ الْإِلَهِ الْحَقِّ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي لَهُ صِفَاتُ التَّصَرُّفِ فِي الْأَجْسَامِ وَالْأَرْوَاحِ، تَصَرُّفَ الْمُنْعِمِ الْمُتَوَحِّدِ بِشَتَّى التَّصَرُّفِ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ تَصَرُّفُهُ بِالْإِحْيَاءِ الْمُؤَبَّدِ وَأَنَّهُ الَّذِي نَطْمَعُ فِي تَجَاوُزِهِ عَنْهُ يَوْمَ الْبَعْثِ فَلْيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ إِنِ اسْتَغْفَرُوا اللَّهَ عَمَّا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ كُفْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُمْ، وَأَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُقْلِعُوا عَنِ الشِّرْكِ لَا يَنْفَعُهُمْ شَيْءٌ يَوْمَ الْبَعْثِ، ثُمَّ صَوَّرَ لَهُمْ عَاقِبَةَ حَالَيِ التَّقْوَى وَالْغَوَايَةِ بِذِكْرِ دَارِ إِجْزَاءِ الْخَيْرِ وَدَارِ إِجْزَاءِ الشَّرِّ.

وَلَمَّا كَانَ قَوْمُهُ مُسْتَمِرِّينَ عَلَى الشِّرْكِ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مُؤْمِنًا غَيْرُهُ وَغَيْرُ زَوْجِهِ