للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْهَمْزَةُ لِلتَّسْوِيَةِ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦] .

وَالْوَعْظُ: التَّخْوِيفُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ شَيْءٍ فِيهِ ضُرٌّ، وَالِاسْمُ الْمَوْعِظَةُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ:

وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٤٦] .

وَمَعْنَى: أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ أَمْ لَمْ تَكُنْ فِي عِدَادِ الْمَوْصُوفِينَ بِالْوَاعِظِينَ، أَيْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَصْفِ فِي شَيْءٍ، وَهُوَ أَشَدُّ فِي نَفْيِ الصِّفَةِ عَنْهُ مِنْ أَنْ لَوْ قِيلَ:

أَمْ لَمْ تَعِظْ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٧] ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٥٦] ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا قَوْلُهُ فِي قِصَّةِ نُوحٍ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ [الشُّعَرَاء: ١١٦] .

وَجُمْلَةُ: إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ تَعْلِيلٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ: سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ، أَيْ كَانَ سَوَاءٌ عَلَيْنَا فَلَا نَتَّبِعُ وَعْظَكَ لِأَنَّ هَذَا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ.

وَالْإِشَارَةُ بِ هَذَا إِلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ لِلْفَرِيقَيْنِ حَاصِلٌ فِي مَقَامِ دَعْوَةِ هُودٍ إِيَّاهُمْ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.

وَقَوْلُهُ: خُلُقُ الْأَوَّلِينَ قَرَأَهُ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَعَاصِمٌ وَخَلَفٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ.

فَعَلَى قِرَاءَةِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ خُلُقُ بِضَمَّتَيْنِ، فَهُوَ السَّجِيَّةُ الْمُتَمَكِّنَةُ فِي النَّفْسِ بَاعِثَةٌ عَلَى عَمَلٍ يُنَاسِبُهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَقَدْ فُسِّرَ بِالْقُوَى النَّفْسِيَّةِ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ قَاصِرٌ فَيَشْمَلُ طَبَائِعَ الْخَيْرِ وَطَبَائِعَ الشَّرِّ، وَلِذَلِكَ لَا يُعْرَفُ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ مِنَ اللَّفْظِ إِلَّا بِقَيْدٍ يُضَمُّ إِلَيْهِ فَيُقَالُ:

خُلُقٌ حَسَنٌ، وَيُقَالُ فِي ضِدِّهِ: سُوءُ خُلُقٍ، أَوْ خُلُقٌ ذَمِيمٌ، قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [الْقَلَم: ٤] .

وَفِي الْحَدِيثِ: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»

. فَإِذَا أُطْلِقَ عَنِ التَّقْيِيدِ انْصَرَفَ إِلَى الْخُلُقِ الْحَسَنِ، كَمَا قَالَ الْحَرِيرِيُّ فِي «الْمَقَامَةِ التَّاسِعَةِ» «وَخُلُقِي نِعْمَ الْعَوْنُ، وَبَيْنِي وَبَيْنَ جَارَاتِي بَوْنُ» أَيْ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ.