للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ بَيَانٌ لِلْجُنُودِ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفُ الْجِنِّ وَهُوَ لِتَوْجِيهِ الْقُوَى الْخَفِيَّةِ، وَالتَّأْثِيرِ فِي الْأُمُور الروحية. وَصِنْفُ الْإِنْسِ وَهُوَ جُنُودُ تَنْفِيذِ أَوَامِرِهِ وَمُحَارَبَةِ الْعَدُوِّ وَحِرَاسَةِ الْمَمْلَكَةِ، وَصِنْفُ الطَّيْرِ وَهُوَ مِنْ تَمَامِ الْجُنْدِ لِتَوْجِيهِ الْأَخْبَارِ وَتَلَقِّيهَا وَتَوْجِيهِ الرَّسَائِلِ إِلَى قُوَّادِهِ وَأُمَرَائِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَى الْجِنِّ وَالطَّيْرِ لِغَرَابَةِ كَوْنِهِمَا مِنَ الْجُنُودِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرِ الْخَيْلَ وَهِيَ مِنَ الْجَيْشِ.

وَالْوَزْعُ: الْكَفُّ عَمَّا لَا يُرَادُ، فَشَمَلَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، أَيْ فَهُمْ يُؤْمَرُونَ فَيَأْتَمِرُونَ وَيُنْهَوْنَ

فَيَنْتَهُونَ، فَقَدْ سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ الرَّعِيَّةَ كُلَّهَا.

وَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى مَعْنَى حُشِرَ لِأَنَّ الْحَشْرَ إِنَّمَا يُرَادُ لِذَلِكَ.

وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ جَمْعَ الْجُنُودِ وَتَدْرِيبِهَا مِنْ وَاجِبَاتِ الْمُلُوكِ لِيَكُونَ الْجُنُودُ مُتَعَهِّدِينَ لِأَحْوَالِهِمْ وَحَاجَاتِهِمْ لِيَشْعُرُوا بِمَا يَنْقُصُهُمْ وَيَتَذَكَّرُوا مَا قَدْ يَنْسَوْنَهُ عِنْدَ تَشَوُّشِ الْأَذْهَانِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعند النفير.

[١٨، ١٩]

[سُورَة النَّمْل (٢٧) : الْآيَات ١٨ إِلَى ١٩]

حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩)

حَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ، وَمَعْنَى الْغَايَةِ لَا يُفَارِقُهَا، وَلَكِنَّهَا مَعَ الِابْتِدَائِيَّةِ غَايَةٌ غَيْرُ نِهَايَةٍ.

وإِذا ظَرْفُ زَمَانٍ بِمَعْنَى حِينَ، وَهُوَ يَقْتَضِي فِعْلَيْنِ بَعْدَهُ يُشْبِهَانِ فَعَلَيِ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ لِأَنَّ إِذا مُضَمَّنَةٌ مَعْنَى الشَّرْطِ، وإِذا مَعْمُولٌ لِفِعْلِ جَوَابِهِ، وَأَمَّا فِعْلُ شَرْطِهِ فَهُوَ جُمْلَةٌ مُضَافٌ إِلَيْهَا إِذا. وَالتَّقْدِيرُ: حَتَّى قَالَتْ نَمْلَةٌ حِينَ أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ. وَوَادِ النَّمْلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الْجِنْسُ لِأَنَّ لِلنَّمْلِ شُقُوقًا وَمَسَالِكَ هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا كَالْأَوْدِيَةِ لِلسَّاكِنِينَ مِنَ النَّاسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَكَانٌ مُشْتَهِرٌ بِالنَّمْلِ غَلَبَ عَلَيْهِ هَذَا الْمُضَافُ كَمَا سُمِّيَ وَادِي السِّبَاعِ مَوْضِعٌ مَعْلُومٌ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَمَكَّةَ. قِيلَ: