للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

احْتِمَالِ النَّفْيِ، وَلِأَنَّ اعْتِمَادَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحِفْظِ لَا عَلَى الْكِتَابَةِ، فَإِنَّ الْمَصَاحِفَ مَا كتبت حَتَّى قرىء الْقُرْآنُ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَقَدْ تَقَعُ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ أَشْيَاءُ مُخَالِفَةٌ لِمَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الرَّاسِمُونَ مِنْ بَعْدُ لِأَنَّ الرَّسْمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى تَمَامِ الضَّبْطِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَكَانَ اعْتِمَادُ الْعَرَبِ عَلَى حَوَافِظِهِمْ.

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَوْ لَيَأْتِيَنِّني بِنُونَيْنِ، الْأُولَى مُشَدَّدَةٌ وَهِيَ نُونُ التَّوْكِيدِ، وَالثَّانِيَةُ نُونُ الْوِقَايَةِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ بِحَذْفِ نُونِ الْوِقَايَةِ لِتَلَاقِي النُّونَاتِ.

[٢٢- ٢٦]

[سُورَة النَّمْل (٢٧) : الْآيَات ٢٢ الى ٢٦]

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦)

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

الْفَاءُ لِتَفْرِيعِ الْحِكَايَةِ عُطِفَتْ جُمْلَةٌ عَلَى جملَة وَضمير فَمَكَثَ لِلْهُدْهُدِ.

وَالْمُكْثُ: الْبَقَاءُ فِي الْمَكَانِ وَمُلَازَمَتُهُ زَمَنًا مَا، وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ كَرَمَ وَنَصَرَ. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُور بِالْأولِ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَرَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِالثَّانِي.

وَأُطْلِقَ الْمُكْثُ هُنَا عَلَى الْبُطْءِ لِأَنَّ الْهُدْهُدَ لَمْ يَكُنْ مَاكِثًا بِمَكَانٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يطير وينتقل، فَأطلق الْمُكْثِ عَلَى الْبُطْءِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ لِأَنَّ الْمُكْثَ يَسْتَلْزِمُ زَمَنًا.

وغَيْرَ بَعِيدٍ صِفَةٌ لِاسْمِ زَمَنٍ أَوِ اسْمِ مَكَانٍ مَحْذُوفٍ مَنْصُوبٍ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ مَكَثَ زَمَنًا غَيْرَ بَعِيدٍ، أَوْ فِي مَكَانٍ غَيْرِ بَعِيدٍ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى سُلَيْمَانَ بَعْدَ زَمَنٍ قَلِيلٍ.

وغَيْرَ بَعِيدٍ قَرِيبٌ قُرْبًا يُوصَفُ بِضِدِّ الْبُعْدِ، أَيْ يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا. وَهَذَا وَجْهُ إِيثَارِ التَّعْبِيرِ بِ غَيْرَ بَعِيدٍ لِأَنَّ غَيْرَ تُفِيدُ دَفْعَ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا، وَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْقُرْبُ يُشْبِهُ الْبُعْدَ.

وَالْبُعْدُ وَالْقُرْبُ حَقِيقَتُهُمَا مِنْ أَوْصَافِ الْمَكَانِ وَيُسْتَعَارَانِ لِقِلَّةِ الْحِصَّةِ بِتَشْبِيهِ