للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة النَّمْل (٢٧) : الْآيَات ٤٨ إِلَى ٤٩]

وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩)

عَطَفَ جُزْءَ الْقِصَّةِ عَلَى جُزْءٍ مِنْهَا. والْمَدِينَةِ: هِيَ حِجْرُ ثَمُودَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ الْمَعْرُوفُ مَكَانُهَا الْيَوْمَ بِدِيَارِ ثَمُودَ وَمَدَائِنَ صَالِحٍ، وَهِيَ بَقَايَا تِلْكَ الْمَدِينَةِ مِنْ أَطْلَالٍ وَبُيُوتٍ مَنْحُوتَةٍ فِي الْجِبَالِ. وَهِيَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَتَبُوكَ فِي طَرِيقِ الشَّامِ وَقَدْ مَرَّ بِهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي مَسِيرِهِمْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَرَأَوْا فِيهَا آبَارًا نَهَاهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ مِنْهَا إِلَّا بِئْرًا وَاحِدَةً أَمَرَهُمْ بِالشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ بِهَا

وَقَالَ: «إِنَّهَا الْبِئْرُ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا نَاقَةُ صَالِحٍ»

. وَالرَّهْطُ: الْعَدَدُ مِنَ النَّاسِ حَوَالَيِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ مِثْلُ النَّفَرِ. وَإِضَافَةُ تِسْعَةٍ إِلَيْهِ مِنْ إِضَافَةِ الْجُزْءِ إِلَى اسْمِ الْكُلِّ عَلَى التَّوَسُّعِ وَهُوَ إِضَافَةٌ كَثِيرَةٌ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ مِثْلَ: خَمْسُ ذَوْدٍ. وَاخْتَلَفَ أَيِمَّةُ النَّحْوِ فِي الْقِيَاسِ عَلَيْهَا، وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشِ أَنَّهَا سَمَاعِيَّةٌ.

وَكَانَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ مِنْ عُتَاةِ الْقَوْمِ، وَاخْتُلِفَ فِي أَسْمَائِهِمْ عَلَى رِوَايَاتٍ هِيَ مِنْ أَوْضَاعِ الْقَصَّاصِينَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ مَا يُعْتَمَدُ. وَاشْتُهِرَ أَنَّ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ اسْمُهُ «قدار» بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيفِ الدَّالِ، وَقَدْ تَشَاءَمَ بَعْضُ النَّاسِ بِعَدَدِ التِّسْعَةِ بِسَبَبِ قِصَّةِ ثَمُودَ وَهُوَ مِنَ التَّشَاؤُمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

والْأَرْضِ: أَرْضُ ثَمُودَ فَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ.

وَعَطْفُ لَا يُصْلِحُونَ عَلَى يُفْسِدُونَ احْتِرَاسٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ تَمَحَّضُوا لِلْإِفْسَادِ وَلَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ خَلَطُوا إِفْسَادًا بِإِصْلَاحٍ.

وَجُمْلَةُ: قالُوا صِفَةٌ لِ تِسْعَةُ، أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ لِ كانَ، أَوْ هُوَ الْخَبَرُ لِ كانَ.

وَفِي الْمَدِينَةِ مُتَعَلِّقٌ بِ كانَ ظَرْفًا لَغْوًا وَلَا يَحْسُنُ جَعْلُ الْجُمْلَةِ اسْتِئْنَافًا لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ مِنَ الْقِصَّةِ وَالْمَعْنَى: قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.

وتَقاسَمُوا فِعْلُ أَمْرٍ، أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ: تَقَاسَمُوا، أَيِ ابْتَدَأَ بَعْضُهُمْ