للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي تَأْيِيدِهِ وَنَفْعِهِ. وَشَأْنُ (إِنَّ) إِذَا جَاءَتْ فِي مَقَامِ التَّعْلِيلِ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْفَاءِ فَلَا تُفِيدُ تَأْكِيدًا وَلَكِنَّهَا لِلِاهْتِمَامِ.

وَجِيءَ فِي فِعْلِ التَّوَكُّلِ بِعُنْوَانِ اسْمِ الْجَلَالَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ الِاسْمَ يَتَضَمَّنُ مَعَانِيَ الْكَمَالِ كُلَّهَا، وَمِنْ أَعْلَاهَا الْعَدْلُ فِي الْقَضَاءِ وَنَصْرُ الْمُحِقِّ. وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَجَّلَتْ مَسَرَّةُ الْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ الْقَضَاءَ فِي جَانِبِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِإِسْنَادِهِ الْقَضَاءَ إِلَى عُنْوَانِ الرَّبِّ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الرَّسُولِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.

وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ اقْتَضَاهُ وُجُودُ مُقْتَضِي جَلْبِ حَرْفِ التَّوْكِيدِ لِإِفَادَةِ التَّعْلِيلِ فَلَا يُفِيدُ التَّقْدِيمُ تَخْصِيصًا وَلَا تَقَوِّيًا.

والْمُبِينِ: الْوَاضِحُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي الِامْتِرَاءُ فِيهِ وَلَا الْمُصَانَعَةُ لِلْمَحْكُومِ لَهُ.

وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ فِي جَانِبِهِ حَقِيقٌ بِأَنْ يَثِقَ بِأَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ حَقَّهُ وَلَوْ بعد حِين.

[٨٠]

[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ٨٠]

إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ جَوَابًا عَمَّا يَخْطُرُ فِي بَالِ السَّامِعِ عَقِبَ قَوْلِهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [النَّمْل: ٧٩] مِنَ التَّسَاؤُلِ عَنْ إِعْرَاضِ أَهْلِ الشِّرْكِ لِمَا عَلَيْهِ الرَّسُولُ مِنَ الْحَقِّ الْمُبِينِ. وَهُوَ أَيْضًا تَعْلِيلٌ آخَرُ لِلْأَمْرِ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ بِالنَّظَرِ إِلَى مَدْلُولِهِ الْكِنَائِيِّ، فَمَوْقِعُ حَرْفِ التَّوْكِيدِ فِيهِ كَمَوْقِعِهِ فِي التَّعْلِيلِ بِالْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ. وَهَذَا عُذْرٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَسْلِيَةٌ لَهُ، وَلِكَوْنِهِ تَعْلِيلًا لِجَانِبٍ مِنَ التَّرْكِيبِ وَهُوَ الْجَانِبُ الْكِنَائِيُّ غَيْرَ الَّذِي عُلِّلَ بِجُمْلَةِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [النَّمْل: ٧٩] لَمْ تُعْطَفْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا تَنْبِيهًا عَلَى اسْتِقْلَالِهَا بِالتَّعْلِيلِ.

وَالْإِسْمَاعُ: إِبْلَاغُ الْكَلَامِ إِلَى الْمَسَامِعِ.

والْمَوْتى والصُّمَّ: مُسْتَعَارَانِ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ لَا يَقْبَلُونَ الْقَوْلَ الْحَقَّ وَيُكَابِرُونَ مَنْ يَقُولُهُ لَهُمْ. شُبِّهُوا بِالْمَوْتَى عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ فِي انْتِفَاءِ فَهْمِهِمْ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ،