للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْخَطَأُ وَهُوَ ضِدُّ الْعَمْدِ فَفِعْلُهُ أَخْطَأَ فَهُوَ مُخْطِئٌ، قَالَ تَعَالَى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الْأَحْزَاب: ٥] ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ أَنَّ الْفُصَحَاءَ فَرَّقُوا الِاسْتِعْمَالَ بَيْنَ مُرْتَكِبِ الْخَطِيئَةِ وَمُرْتَكِبِ الْخَطَإِ، وَعَلَى التَّفْرِقَةِ بَين أَخطَأ وخطىء دَرَجَ نَفْطَوَيْهِ وَتَبِعَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْحَرِيرِيُّ.

وَذَهَبَ أَبُو عَبِيدٍ وَابْنُ قُتَيْبَةَ إِلَى أَنَّ اللَّفْظَيْنِ مُتَرَادِفَانِ وَأَنَّهُمَا لُغَتَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ هُنَا أَنَّهُ جَارٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ قُتَيْبَةَ فَقَدْ فَسَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ بِالْمَعْنَيَيْنِ وَقَالَ فِي «الْأَسَاسِ» : «أَخْطَأَ فِي الرَّأْي وخطىء إِذَا تَعَمَّدَ الذَّنْبَ. وَقِيلَ: هُمَا وَاحِدٌ» .

وَيَظْهَرُ أَنَّ أَصْلَهُمَا لُغَتَانِ فِي مَعْنَى مُخَالَفَةِ الصَّوَابِ عَنْ غَيْرِ عَمْدٍ أَوْ عَنْ عَمْدٍ، ثُمَّ غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ الْفَصِيحُ عَلَى تَخْصِيصِ أَخْطَأَ بِفِعْلٍ عَلَى غير عمد وخطىء بِالْإِجْرَامِ وَالذَّنْبِ وَهَذَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ اللُّغَةِ. وَإِنَّ الْفُرُوقَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ مِنْ أَحْسَنِ تَهْذِيبِ اللُّغَةِ.

فَأَمَّا مَحْمَلُ الْآيَةِ هُنَا فَلَا يُنَاسِبُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ خاطِئِينَ مِنَ الْخَطِيئَةِ لِيَكُونَ الْكَلَامُ تَعْلِيلًا لِتَكْوِينِ حزنهمْ مِنْهُ بالأخرة. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ هامان آنِفا [الْقَصَص: ٦] .

[٩]

[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٩]

وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٩)

يَدُلُّ الْكَلَامُ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ انْتَشَلُوهُ جَعَلُوهُ بَيْنَ أَيْدِي فِرْعَوْنَ وَامْرَأَتِهِ فَرَقَّتْ لَهُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَصَرَفَتْ فِرْعَوْنَ عَنْ قَتْلِهِ بَعْدَ أَنْ هَمَّ بِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الطِّفْلَ لَيْسَ مِنْ أَبْنَاءِ الْقِبْطِ بِلَوْنِ جَلْوَتِهِ وَمَلَامِحِ وَجْهِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَمَلَهُ النَّيْلُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ لِظُهُورِهِ أَنَّهُ لَمْ يَطُلْ مَكْثُ تَابُوتِهِ فِي الْمَاءِ وَلَا اضْطِرَابُهُ بِكَثْرَةِ التَّنَقُّلِ، فَعَلِمَ أَنَّ وَقْعَهُ فِي التَّابُوتِ لِقَصْدِ إِنْجَائِهِ مِنَ الذَّبْحِ. وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ انْتِشَالِهِ مِنَ الْمَاءِ وَإِخْرَاجِهِ مِنَ التَّابُوتِ. وَكَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ امْرَأَةً مُلْهَمَةً لِلْخَيْرِ وَقَدَّرَ اللَّهُ نَجَاةَ مُوسَى بِسَبَبِهَا. وَقَدْ قَالَ الله تَعَالَى فِي شَأْنِهَا وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التَّحْرِيم: ١١] ،