للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ جَعْلُ الْمَهْرِ مَنَافِعَ حُرٍّ وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَنَافِعَ عَبْدٍ. وَلَمْ يَرَ فِي الْآيَةِ دَلِيلًا لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ مُسْتَوْفِيًا شُرُوطَهُ فَوَقَعَ الْإِجْمَالُ فِيهَا. وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

وَإِذْ قَدْ كَانَ حُكْمُ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا مُخْتَلِفًا فِي جَعْلِهِ شَرْعًا لَنَا كَانَ حُجَّةً مُخْتَلَفًا فِيهَا بَيْنَ عُلَمَاءِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَزَادَهَا ضَعْفًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْإِجْمَالُ الَّذِي تَطَرَّقَهَا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى أَدِلَّةٍ أُخْرَى مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ. وَدَلِيلُ الْجَوَازِ دَاخِلٌ تَحْتَ عُمُومِ مَعْنَى الْمَهْرِ. فَإِنْ كَانَتِ الْمَنَافِعُ الْمَجْعُولَةُ مَهْرًا حَاصِلَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَوْ جَمِيعُهَا لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَجَعَتِ الْمَسْأَلَةُ إِلَى النِّكَاحِ بِمَهْرٍ مُؤَجَّلٍ وَهُوَ مَكْرُوهٌ غَيْرُ بَاطِلٍ. وَإِلَى الْإِجَارَةِ بِعِوَضٍ غَيْرِ قَابِلٍ لِلتَّبْعِيضِ بِتَبْعِيضِ الْعَمَلِ فَإِذَا لَمْ يُتِمَّ الْأَجِيرُ الْعَمَلَ فِي هَذِهِ رَجَعَتْ إِلَى مَسْأَلَةِ عَجْزِ الْعَامِلِ عَنِ الْعَمَلِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْأَجْرَ.

وَقَدْ

وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ وَفِي حَدِيثِ الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَهَرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهَا وَأَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ لَهُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مَا تُصْدِقُهَا؟ إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْتَمَسَ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» قَالَ: مَا عِنْدِي وَلَا خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا. قَالَ لَهُ: قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ

. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيءَ أَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهَا عِشْرِينَ آيَةً مِمَّا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَتَكُونُ امْرَأَتَهُ. فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ كَانَ الْحَدِيثُ جَارِيًا عَلَى وَفْقِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَكَانَ حُجَّةً لِصِحَّةِ جَعْلِ الصَّدَاقِ إِجَارَةً عَلَى عَمَلٍ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ فَالْقِصَّةُ خُصُوصِيَّةٌ يُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهَا.

وَلَمْ يَقَعِ التَّعَرُّضُ فِي الْآيَةِ لِلْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ. وَوَرَدَ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ أَنَّهُ رَعَى غَنَمَ يَثْرُونَ (وَهُوَ شُعَيْبٌ) ، وَلَا غَرَضَ لِلْقُرْآنِ فِي بَيَانِ ذَلِكَ. وَلَمْ يَقَعِ التَّعَرُّضُ إِلَى الْأَجْرِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنْكَاحُهُ الْبِنْتَ فَإِذَا لَمْ نَأْخُذْ بِهَذَا الظَّاهِرِ كَانَتِ الْآيَةُ غَيْرَ مُتَعَرِّضَةٍ لِلْأَجْرِ إِذْ لَا غَرَضَ فِيهِ مِنْ سَوْقِ الْقِصَّةِ فَيَكُونُ جَارِيًا عَلَى مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ عِنْدَهُمْ فِي أُجُورِ الْأَعْمَالِ وَكَانَتْ لِلْقَبَائِلِ عَوَائِدُ فِي ذَلِكَ.

وَقَدْ أَدْرَكْتُ