للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ.

تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْعَصَا وَبَيَاضِ الْيَدِ. وَالْبُرْهَانُ: الْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ. ومِنْ لِلِابْتِدَاءِ، وإِلى لِلِانْتِهَاءِ الْمَجَازِيِّ أَيْ حُجَّتَانِ عَلَى أَنْ أُرْسِلَ بِهِمَا إِلَيْهِمْ.

وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ لِتَضَمُّنِهَا أَنَّهُمْ بِحَيْثُ يُقْرَعُونَ بِالْبَرَاهِينِ فَبَيَّنَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ تَمَكَّنُ الْكُفْرِ مِنْ نُفُوسِهِمْ حَتَّى كَانَ كَالْجِبِلَّةِ فِيهِمْ وَبِهِ قِوَامُ قَوْمِيَّتِهِمْ لِمَا يُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُهُ كانُوا. وَقَوله قَوْماً كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] . وَالْفِسْقُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَذانِكَ بِتَخْفِيفِ النُّونِ مِنْ (ذَانِكَ) عَلَى الْأَصْلِ فِي التَّثْنِيَةِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِتَشْدِيدِ نُونِ فَذانِكَ وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ وَقَيْسٍ.

وَعَلَّلَهَا النَّحْوِيُّونَ بِأَنَّ تَضْعِيفَ النُّونِ تَعْوِيضٌ عَلَى الْأَلْفِ مِنْ (ذَا) وَ (تَا) الْمَحْذُوفَةِ لِأَجْلِ صِيغَةِ التَّثْنِيَةِ. وَفِي «الْكَشَّافِ» : أَنَّ التَّشْدِيدَ عِوَضٌ عَنْ لَامِ الْبُعْدِ الَّتِي تَلْحَقُ اسْمَ الْإِشَارَةِ فَلِذَلِكَ قَالَ «فَالْمُخَفَّفُ مُثَنَّى ذَاكَ وَالْمُشَدَّدُ مُثَنَّى ذَلِكَ» . وَهَذَا أحسن.

[٣٣]

[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٣٣]

قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣)

جَرَى التَّأْكِيدُ عَلَى الْغَالِبِ فِي اسْتِعْمَالِ أَمْثَالِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ الْغَرِيبَةِ لِيَتَحَقَّقَ السَّامِعُ وُقُوعَهَا وَإِلَّا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ لَمَّا قَالَ لَهُ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ [الْقَصَص:

٣٢] . وَالْمَعْنَى: فَأَخَافَ أَنْ يَذْكُرُوا قَتْلِيَ الْقِبْطِيَّ فَيَقْتُلُونِي. فَهَذَا كَالِاعْتِذَارِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ رِسَالَةَ اللَّهِ لَا يُتَخَلَّصُ مِنْهَا بِعُذْرٍ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِي أَمْنٍ إِلَهِيٍّ مِنْ أَعْدَائِهِ. فَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالدُّعَاءِ، وَمُقَدِّمَةٌ لِطَلَبِ تَأْيِيدِهِ بهَارُون أَخِيه.