للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُرِّدَتْ جُمْلَةُ قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ عَنْ حَرْفِ الْعَطْفِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي مَوْقِعِ الْمُحَاوَرَةِ فَهِيَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.

وَالَّذِينَ تَصَدَّوْا لِلْجَوَابِ هُمْ بَعْضُ الْمُنَادَيْنَ بِ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ عَلِمُوا أَنَّهُمُ الْأَحْرِيَاءُ بِالْجَوَابِ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَيِمَّةُ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِثْلُ أَبِي جَهْلٍ وَأُمِّيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَسَدَنَةِ أَصْنَامِهِمْ كَسَادِنِ الْعُزَّى. وَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَنْهُمْ بِ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ وَلَمْ يُعَبِّرْ عَنْهُمْ بِ (قَالُوا) .

وَمَعْنَى حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَقَّ بِمَعْنَى تَحَقَّقَ وَثَبَتَ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلًا مَعْهُودًا وَهُوَ مَا عُهِدَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَوْله تَعَالَى وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي (١) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السَّجْدَة: ١٣] وَقَوْلِهِ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ [الزمر: ١٩ فَالَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ هُمُ الَّذِينَ حَلَّ الْإِبَّانُ الَّذِي يَحِقُّ عَلَيْهِمْ فِيهِ هَذَا الْقَوْلُ. وَالْمَعْنَى:

أَنَّ اللَّهَ أَلْجَأَهُمْ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِأَنَّهُمْ أَضَلُّوا الضَّالِّينَ وَأَغْوَوْهُمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَقَّ بِمَعْنَى وَجَبَ وَتَعَيَّنَ، أَيْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْجَوَابُ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ مُوَجَّهٌ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ

إِجَابَةِ ذَلِكَ السُّؤَالِ. وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ جِنْسَ الْقَوْلِ، أَيِ الْكَلَامُ الَّذِي يُقَالُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنِ الِاسْتِفْهَامِ بِقَوْلِهِ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ وَعَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ فَالَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ هُمْ أَيِمَّةُ الْكُفْرِ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا ... إِلَخْ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قالَ، أَيْ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا، أَيِ الَّذِينَ كَانُوا أَحْرَى بِأَنْ يُجِيبُوا لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ تَبِعَةَ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمَّا وُجِّهَ التَّوْبِيخُ إِلَى جُمْلَتِهِمْ تَعَيَّنَ أَنْ يَتَصَدَّى لِلْجَوَابِ الْفَرِيقُ الَّذِينَ ثَبَّتُوا الْعَامَّةَ عَلَى الشِّرْكِ وأضلوا الدهماء.

وابتدأوا جَوَابَهُمْ بِتَوْجِيهِ النِّدَاءِ إِلَى اللَّهِ بِعُنْوَانِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ، نِدَاءً أُرِيدَ مِنْهُ الِاسْتِعْطَافُ بِأَنَّهُ الَّذِي خَلَقَهُمُ اعْتِرَافًا مِنْهُمْ بِالْعُبُودِيَّةِ وَتَمْهِيدًا لِلتَّنَصُّلِ مِنْ أَنْ يَكُونُوا هُمُ الْمُخْتَرِعِينَ لِدِينِ الشِّرْكِ فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ سَلَفِهِمْ، وَالْإِشَارَةُ


(١) فِي المطبوعة: «حقّت كلمة رَبك لأملان ... » . [.....]