للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٦٤]

وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤)

هَذَا مُوَجَّهٌ إِلَى جَمِيعِ الَّذِينَ نُودُوا بِقَوْلِهِ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الْقَصَص:

٦٢] فَإِنَّ ذَلِكَ النِّدَاءَ كَانَ تَوْبِيخًا لَهُمْ عَلَى اتِّخَاذِهِمْ آلِهَةً شُرَكَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى. فَلَمَّا شَعَرُوا بِالْمَقْصِدِ مِنْ نِدَائِهِمْ وَتَصَدَّى كُبَرَاؤُهُمْ لِلِاعْتِذَارِ عَنِ اتِّخَاذِهِمْ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِهَذَا الْقَوْلِ.

وَأَسْنَدَ فِعْلَ الْقَوْلِ إِلَى الْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْفَاعِلَ مَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، أَيْ وَقَالَ اللَّهُ. وَالْأَمْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِطْمَاعِ لِتَعَقُّبِ الْإِطْمَاعِ بِالْيَأْسِ.

وَإِضَافَةُ الشُّرَكَاءِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ ادَّعَوْا لَهُمُ الشَّرِكَةَ كَمَا فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ [٩٤] الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ. وَالدُّعَاءُ دُعَاءُ الِاسْتِغَاثَةِ حَسَبَ زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ شُفَعَاؤُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا. وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ هُوَ مَحَلُّ التَّأْيِيسِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْكَلَامِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ فَيَحْتَمِلُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً فَرَضَهَا الْمُفَسِّرُونَ: وَجُمَّاعُ أَقْوَالِهِمْ فِيهَا أَخْذًا وَرَدًّا أَنْ نَجْمَعَهَا فِي أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ. وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ، وَالْعَذَابُ عَذَابُ الْآخِرَةِ، أَيْ أَحْضَرَ لَهُمْ آلَةَ الْعَذَابِ لِيَعْلَمُوا أَنَّ شُرَكَاءَهُمْ لَا يُغْنُونَ عَنْهُمْ شَيْئًا.

وَعَلَى هَذَا تَكُونُ جُمْلَةُ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ مُسْتَأْنَفَةً ابْتِدَائِيَّةً مُسْتَقِلَّةً عَنْ جُمْلَةِ وَرَأَوُا الْعَذابَ.

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْحَالِ وَالرُّؤْيَةُ أَيْضًا بَصَرِيَّةً وَالْعَذَابُ عَذَابَ الْآخِرَةِ، أَيْ وَقَدْ رَأَوُا الْعَذَابَ فَارْتَبَكُوا فِي الِاهْتِدَاءِ إِلَى سَبِيلِ الْخَلَاصِ فَقِيلَ لَهُمْ: ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ

لِخَلَاصِكُمْ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ كَذَلِكَ مُسْتَأْنَفَةً ابْتِدَائِيَّةً.

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةً، وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي اخْتِصَارًا، وَالْعَذَابُ عَذَابَ الْآخِرَةِ. وَالْمَعْنَى: وَعَلِمُوا الْعَذَابَ حَائِقًا بِهِمْ، وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ أَوِ الْحَالِ. وَجُمْلَةُ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَ: مَاذَا