للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّهُمْ لَمَّا نُودُوا أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الْقَصَص: ٦٢] انْبَرَى رُؤَسَاؤُهُمْ فَلَفَّقُوا جَوَابًا عَدَلُوا بِهِ عَنْ جَادَّةِ الِاسْتِفْهَامِ إِلَى إِنْكَارِ أَنْ يَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ سَنُّوا لِقَوْمِهِمْ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ، فَلَمَّا سُئِلُوا عَنْ جَوَابِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيُوا عَنِ الْجَوَابِ فَلَمْ يَجِدُوا مُغَالَطَةً لِأَنَّهُمْ لَمْ

يَكُونُوا مَسْبُوقِينَ مِنْ سَلَفِهِمْ بِتَكْذِيبِ الرَّسُولِ فَإِنَّ الرَّسُولَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ أَنْفُسِهِمْ.

وَلِهَذَا تفرع على (عميت عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ) قَوْلُهُ فَهُمْ لَا يَتَساءَلُونَ أَيْ لَا يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِاسْتِخْرَاجِ الْآرَاءِ وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْبَهْتِ وَالْبَغْتِ عَلَى الْجَمِيعِ أَنَّهُمْ لَا مُتَنَصَّلَ لَهُمْ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ فَوَجِمُوا.

وَإِذْ كَانَ الِاسْتِفْهَامُ لِتَمْهِيدِ أَنَّهُمْ مَحْقُوقُونَ بِالْعَذَابِ عُلِمَ مِنْ عَجْزِهِمْ عَنِ الْجَوَابِ عَنْهُ أَنَّهُمْ قَدْ حَقَّ عَلَيْهِم الْعَذَاب.

[٦٧]

[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٦٧]

فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧)

تَخَلَّلَ بَيْنَ حَالِ الْمُشْرِكِينَ ذِكْرُ حَالِ الْفَرِيقِ الْمُقَابِلِ وَهُوَ فَرِيقُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تَزْدَادُ تَمَيُّزًا بِذِكْرِ أَضْدَادِهَا، وَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ [الْقَصَص: ٦٦] مِنْ أَنَّهُمْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ.

وَلَمَّا كَانَتْ (أَمَّا) تُفِيدُ التَّفْصِيلَ وَهُوَ التَّفْكِيكُ وَالْفَصْلُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ فِي حُكْمٍ فَهِيَ مُفِيدَةٌ هُنَا أَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ خَاسِرُونَ فِي الْآخِرَةِ وَذَلِكَ مَا وَقَعَ الْإِيمَاءُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَهُمْ لَا يَتَساءَلُونَ [الْقَصَص: ٦٦] فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِتَفْصِيلِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ عَنْ ذِكْرِ مُقَابِلِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ [النِّسَاء: ١٧٥] أَيْ وَأَمَّا الَّذِينَ كفرُوا بِاللَّه فيضد ذَلِكَ.

وَالتَّوْبَةُ هُنَا: الْإِقْلَاعُ عَنِ الشِّرْكِ وَالنَّدَمُ عَلَى تَقَلُّدِهِ. وَعَطْفُ الْإِيمَانِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ إِقْلَاعٍ عَنْ عَقَائِدِ الشِّرْكِ وَإِحْلَالِ عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ مَحَلَّهَا وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ وَعَمِلَ صالِحاً لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا شَاعِرِينَ بِفَسَادِ دِينِهِمْ