للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِنَّمَا قَدَّمُ عَلَيْهِ مَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْحُكْمِ مَعَ إِدْمَاجِ صِفَاتِ عَظَمَتِهِ الذَّاتِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ افْتِقَارَ الْكُلِّ إِلَيْهِ.

وَلِذَلِكَ ابْتُدِئَتِ الْجُمْلَةُ بِضَمِيرِ الْغَائِبِ لِيَعُودَ إِلَى الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُ بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [الْقَصَص: ٥٨] إِلَى هُنَا، أَيِ الْمَوْصُوفُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الْعَظِيمَةِ وَالْفَاعِلُ لِتِلْكَ الْأَفْعَالِ الْجَلِيلَةِ. وَالْمَذْكُورُ بعنوان رَبُّكَ [الْقَصَص: ٦٩] هُوَ الْمُسَمَّى اللَّهَ اسْمًا جَامِعًا لِجَمِيعِ مَعَانِي الْكَمَالِ. فَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ مُبْتَدَأٌ وَاسْمُ الْجَلَالَةِ خَبَرُهُ، أَيْ فَلَا تَلْتَبِسُوا فِيهِ وَلَا تُخْطِئُوا بِادِّعَاءِ مَا لَا يَلِيقُ بِاسْمِهِ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْله فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ [يُونُس: ٣٢] .

وَقَوْلُهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ، وَفِي هَذَا الْخَبَرِ الثَّانِي زِيَادَةُ تَقْرِيرٍ لِمَدْلُولِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ اسْمَ الْجَلَالَةِ اخْتُصَّ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْإِلَهِ الْحَقِّ إِلَّا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ حَرَّفُوا أَوْ أَثْبَتُوا الْإِلَهِيَّةَ لِلْأَصْنَامِ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّهَا إِلَهِيَّةٌ دُونَ إِلَهِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مِنْ حَقِّ النَّظَرِ أَنْ يُعْلَمَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَكَانَ هَذَا إِبْطَالًا لِلشِّرْكِ بَعْدَ إِبْطَالِهِ بِحِكَايَةِ تَلَاشِيهِ عَنْ أَهْلِ مِلَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ [الْقَصَص: ٦٤] .

وَأَخْبَرَ عَنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ خَبَرًا ثَانِيًا بِقَوْلِهِ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى انْتِفَاءِ إِلَهِيَّةِ غَيْرِهِ بِحُجَّةِ أَنَّ النَّاسَ مُؤْمِنَهُمْ وَكَافِرَهُمْ لَا يَحْمَدُونَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا

اللَّهَ فَلَا تَسْمَعُ أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلْعُزَّى، مَثَلًا.

فَاللَّامُ فِي لَهُ لِلْمِلْكِ، أَيْ لَا يَمْلِكُ الْحَمْدَ غَيْرُهُ، وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ اخْتِصَاصٌ حَقِيقِيٌّ.

وَتَعْرِيفُ الْحَمْدُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُفِيدِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ لَهُ كُلُّ حَمْدٍ.

والْأُولى هِيَ الدُّنْيَا وَتَخْصِيصُ الْحَمْدِ بِهِ فِي الدُّنْيَا اخْتِصَاصٌ لِجِنْسِ الْحَمْدِ بِهِ لِأَنَّ حَمْدَ غَيْرِهِ مَجَازٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ.

وَأَمَّا الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ مَا فِي قَوْلِهِ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ [الْإِسْرَاء:

٥٢] . وَاخْتِصَاصُ الْجِنْسِ بِهِ فِي الْآخِرَةِ حَقِيقَةٌ.