للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٨٠]

[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٨٠]

وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠)

وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً.

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا [الْقَصَص: ٧٩] فَهِيَ مُشَارِكَةٌ لَهَا فِي مَعْنَاهَا لِأَنَّ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ خِرْجَةُ قَارُونَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مَلَامِحُهُ مِنْ فِتْنَةٍ بِبَهْرَجَتِهِ وَبِزَّتِهِ دَالَّةٌ عَلَى قِلَّةِ اعْتِدَادِهِ بِثَوَابِ اللَّهِ وَعَلَى تَمَحُّضِهِ لِلْإِقْبَالِ عَلَى لَذَائِذِ الدُّنْيَا وَمَفَاخِرِهَا الْبَاطِلَةِ فَفِي كَلَامِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ تَنْبِيهٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِزَالَةٌ لِمَا تَسْتَجْلِبُهُ حَالَةُ قَارُونَ مِنْ نُفُوسِ الْمُبْتَلِينَ بِزَخَارِفِ الدُّنْيَا.

وَ (وَيْلٌ) اسْمٌ لِلْهَلَاكِ وَسُوءِ الْحَالِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٧٩] . وَيُسْتَعْمَلُ لَفْظُ (وَيْلٌ) فِي التَّعَجُّبِ الْمَشُوبِ بِالزَّجْرِ، فَلَيْسَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَاعِينَ بِالْوَيْلِ عَلَى الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ لِمَقَامِ الْمَوْعِظَةِ لِينُ الْخِطَابِ لِيَكُونَ أَعْوَنَ عَلَى الِاتِّعَاظِ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ تَعَلُّقِ نُفُوسِ أُولَئِكَ بِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاغْتِبَاطِهِمْ بِحَالِ قَارُونَ دُونَ اهْتِمَامٍ بِثَوَابِ اللَّهِ الَّذِي يَسْتَطِيعُونَ تَحْصِيلَهُ بِالْإِقْبَالِ عَلَى الْعَمَلِ بِالدِّينِ وَالْعَمَلِ النَّافِعِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ قَارُونَ غَيْرُ مُتَخَلِّقٍ بِالْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ.

وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِيَتَمَكَّنَ الْخَبَرُ فِي ذِهْنِ السَّامِعِينَ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الثَّوَابِ الْمُضَافِ إِلَى أَوْسَعِ الْكُرَمَاءِ كَرَمًا مِمَّا تَسْتَشْرِفُ إِلَيْهِ النَّفْسُ.

وَعَدَلَ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى الْمَوْصُولِيَّةِ فِي قَوْلِهِ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً دُونَ: خَيْرٌ لَكُمْ، لِمَا فِي الْإِظْهَارِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ ثَوَابَ اللَّهِ إِنَّمَا يَنَالُهُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ وَأَنَّهُ عَلَى حَسَبِ صِحَّةِ الْإِيمَانِ وَوَفْرَةِ الْعَمَلِ، مَعَ مَا فِي الْمَوْصُولِ مِنَ الشُّمُولِ لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَذَلِكَ وَلِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ الْمَقَامَ.

وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ.

يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ فَهِيَ مِنْ كَلَامِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، أَمَرُوا الَّذِينَ فَتَنَهُمْ حَالُ قَارُونَ بِأَنْ يَصْبِرُوا عَلَى حِرْمَانِهِمْ مِمَّا فِيهِ قَارُونُ.