للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ عَدَلَ فِي قَوْلِهِ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ عَنْ طَرِيقِ التَّكَلُّمِ إِلَى طَرِيقِ الْغَيْبَةِ بِإِظْهَارِ اسْمِ الْجَلَالَةِ عَلَى أُسْلُوبِ الِالْتِفَاتِ لِمَا فِي هَذَا الْإِظْهَارِ مِنَ الْجَلَالَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى ذَلِكَ جَزَاءُ مَالِكِ الْمُلْكِ.

وَتَعْرِيفُ الْمُتَّصِفِينَ بِصِدْقِ الْإِيمَانِ بِالْمَوْصُولِ وَالصِّلَةِ الْمَاضَوِيَّةِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُمُ اشْتَهَرُوا بِحِدْثَانِ صِدْقِ الْإِيمَانِ وَأَنَّ صِدْقَهُمْ مُحَقَّقٌ.

وَأَمَّا تَعْرِيفُ الْمُتَّصِفِينَ بِالْكَذِبِ بِطَرِيقِ التَّعْرِيفِ بِاللَّامِ وَبِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَلِإِفَادَةِ أَنَّهُمْ عُهِدُوا بِهَذَا الْوَصْفِ وَتَمَيَّزُوا بِهِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّفَنُّنِ وَالرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ.

رَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا إِلَى قَوْلِهِ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ [العنكبوت: ١- ٣] فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ إِذْ كَانَ يُعَذَّبُ فِي الله، أَي وَأَمْثَالِهِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ مِمَّنْ كَانُوا يُعَذَّبُونَ بِمَكَّةَ وَكَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لَهُمُ اللَّهَ بِالنَّجَاةِ لَهُمْ وَلِلْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ.

[٤]

[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ٤]

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (٤)

أُعْقِبَ تَثْبِيتُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ فُتُونِ الْمُشْرِكِينَ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ بِزَجْرِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا يَعْمَلُونَهُ مِنَ السَّيِّئَاتِ فِي جَانِبِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْظَمُ تِلْكَ السَّيِّئَاتِ فُتُونُهُمُ الْمُسْلِمِينَ. فَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ الْفَاتِنُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ.

وَهَذَا وَوَعِيدُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يُفْلِتُهُمْ. وَفِي هَذَا أَيْضًا زِيَادَةُ تَثْبِيتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ.

فَ أَمْ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ وَيُقَدَّرُ بَعْدَهَا اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيُّ.

والسَّيِّئاتِ: الْأَعْمَالُ السُّوءُ. وَهِيَ التَّنْكِيلُ وَالتَّعْذِيبُ وَفُتُونُ الْمُسْلِمِينَ.

وَالسَّبْقُ: مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي النَّجَاةِ وَالِانْفِلَاتِ كَقَوْلِ مُرَّةَ بْنِ عَدَّاءٍ الْفَقْعَسِيِّ: