للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَنْ تَكَرُّرِ الِاسْتِخْلَافِ مِنْكَ. هَذِهِ طَرِيقَةُ «الْكَشَّافِ» وَهُوَ يَجْعَلُ مَوْقِعَ ثُمَّ يُعِيدُهُ كَمَوْقِعِ التَّفْرِيعِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هذَيْن الْفِعْلَيْنِ (يبدىء وَيُعِيدُ) وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا مِمَّا جَرَى اسْتِعْمَالُهُمَا مُتَزَاوِجَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاتِّبَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ فِي سُورَةِ سَبَأٍ [٤٩] .

قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» فِي سُورَةِ سَبَأٍ: فَجَعَلُوا قَوْلهم: لَا يبدىء وَلَا يُعِيدُ، مَثَلًا فِي الْهَلَاكِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَبِيدٍ:

فَالْيَوْمَ لَا يُبْدِي وَلَا يُعِيدُ وَيُقَالُ: أَبْدَأَ وَأَعَادَ بِمَعْنَى تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا وَاسِعًا، قَالَ بِشَارٌ:

فَهُمُومِي مِظَلَّةٌ ... بَادِئَاتٍ وَعُوَّدَا

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةً مُتَعَدِّيَةً إِلَى مَفْعُولَيْنِ: أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُمُ النَّظَرَ وَالِاسْتِدْلَالَ الْمُوَصِّلَ إِلَى علم كَيفَ يبدىء اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِأَنَّ أَدِلَّةَ بَدْءِ الْخَلْقِ تُفْضِي بِالنَّاظِرِ إِلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ يُعِيدُ الْخَلْقَ فَتَكُونُ ثُمَّ عَاطِفَةً فِعْلَ يُعِيدُهُ عَلَى فِعْلِ يُبْدِئُ وَالْجَمِيعُ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الْإِنْكَارِ.

وكَيْفَ اسْمُ اسْتِفْهَامٍ وَهِيَ مُعَلِّقَةُ فِعْلِ يَرَوْا عَنِ الْعَمَلِ فِي مَعْمُولِهِ أَوْ مَعْمُولَيْهِ.

وَالْمَعْنَى: أَلَمْ يَتَأَمَّلُوا فِي هَذَا السُّؤَالِ، أَيْ فِي الْجَوَابِ عَنهُ. والاستفهام ب كَيْفَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْبِيهِ وَلَفْتِ النَّظَرِ لَا فِي طَلَبِ الْإِخْبَارِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ مُبَيِّنَةٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ الِاسْتِفْهَامُ مِنْ إِنْكَارِ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْعِلْمِ بِوُقُوعِ الْإِعَادَةِ، إِذْ أَحَالُوهَا مَعَ أَنَّ إِعَادَةَ الْخَلْقِ إِنْ لَمْ تَكُنْ أَيْسَرَ مِنَ الْإِعَادَةِ فِي الْعُرْفِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِهَا مُسَاوِيَةً لَهَا وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الرّوم: ٢٧] . وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكَ إِلَى الْمَصْدَرِ الْمُفَادِ مِنْ يُعِيدُهُ مِثْلَ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى نَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الرّوم: ٢٧] . وَوَجَهُ تَوْكِيدِ الْجُمْلَةِ بِ إِنَّ رَدُّ دَعْوَاهُمْ أَنه مُسْتَحِيل.