للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَمَّا كَانَ فِي قَوْلِهِ مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ شَائِبَةُ ثُبُوتِ مَنْفَعَةٍ لَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ إِذْ يَكْتَسِبُونَ بِذَلِكَ مَوَدَّةً بَيْنَهُمْ تَلَذُّ لِنُفُوسِهِمْ قَرَنَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ إِلَخْ تَنْبِيهًا لِسُوءِ عَاقِبَةِ هَذِهِ الْمَوَدَّةِ وَإِزَالَةٍ لِلْغُرُورِ وَالْغَفْلَةِ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّذَّاتِ الْعَاجِلَةَ لَا عِبْرَةَ بِهَا إِنْ كَانَتْ تُعْقِبُ نَدَامَةً آجِلَةً.

وَمَعْنَى يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ يَكْفُرُونَ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا إِذْ يَجْحَدُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا.

وَمَعْنَى وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ يَلْعَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْآخَرِينَ إِمَّا لِأَنَّ الْمَلْعُونِينَ غَرُّوا اللَّاعِنِينَ فَسَوَّلُوا لَهُمُ اتِّخَاذَ الْأَصْنَامِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ وَافَقُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ.

وَهَذِهِ مَخَازٍ تَلْحَقُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَعُمُّهُمْ مِنْ عَذَابِ الْخِزْيِ بِقَوْلِهِ وَمَأْواكُمُ النَّارُ.

ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَعُمُّهُمْ جَمِيعًا مِنِ انْعِدَامِ النَّصِيرِ فَقَالَ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ فَنَفَى عَنْهُمْ جِنْسَ النَّاصِرِ. وَهُوَ مَنْ يُزِيلُ عَنْهُمْ ذَلِكَ الْخِزْيَ. وَجِيءَ فِي نَفْيِ النَّاصِرِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ هُنَا خِلَافًا لِقَوْلِهِ آنِفًا وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [العنكبوت: ٢٢] لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَأَلَّبُوا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَتَجَمَّعُوا لِنُصْرَةِ أَصْنَامِهِمْ كَانَ جَزَاؤُهُمْ حِرْمَانَهُمْ مِنَ النُّصَرَاءِ مُطَابَقَةً بَيْنَ الْجَزَاءِ وَالْحَالَةِ الَّتِي جُوزُوا عَلَيْهَا. عَلَى أَنَّ الْمُفْرَدَ وَالْجَمْعَ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ سَوَاءٌ فِي إِفَادَةِ نَفْيِ كُلِّ فَرْدٍ من الْجِنْس.

[٢٦]

[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ٢٦]

فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦)

فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ.

جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْإِخْبَارِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ اعْتِرَاضَ التَّفْرِيعِ، وَأَفَادَتِ الْفَاءُ مُبَادَرَةَ لُوطٍ

بِتَصْدِيقِ إِبْرَاهِيمَ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ لُوطٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ إِلَّا لُوطٌ لِأَنَّهُ الرَّجُلُ الْفَرْدُ الَّذِي آمَنَ بِهِ وَأَمَّا امْرَأَةُ إِبْرَاهِيمَ وَامْرَأَةُ لُوطٍ فَلَا يَشْمَلُهُمَا اسْمُ الْقَوْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ [العنكبوت: ١٦] الْآيَةَ لِأَنَّ الْقَوْمَ خَاصٌّ بِرِجَالِ الْقَبِيلَةِ قَالَ زُهَيْرٌ:

أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ