للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ٤٠]

فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠)

أَفَادَتِ الْفَاءُ التَّفْرِيعَ عَلَى الْكَلَامِ السَّابِقِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الشَّيْطَانَ زَيَّنَ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَمِنِ اسْتِكْبَارِ الْآخَرِينَ، أَيْ فَكَانَ مِنْ عَاقِبَةِ ذَلِكَ أَنْ أَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمُ الْعَظِيمَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَعَنِ اسْتِكْبَارِهِمْ فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ الْمُفَرَّعُ هُوَ أَخْذُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ أَشْعَرَ بِهِ مَا قَبْلَ التَّفْرِيعِ، وَلَكِنَّهُ ذُكِرَ لِيُفْضَى بِذِكْرِهِ إِلَى تَفْصِيلِ أَنْوَاعِ أَخْذِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً إِلَى آخِرِهِ، فَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ إِلَخْ لِتَفْرِيعِ ذَلِكَ التَّفْصِيلِ عَلَى الْإِجْمَالِ الَّذِي تَقَدَّمَهُ فَتَحْصُلُ خُصُوصِيَّةُ الْإِجْمَالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ، وَلِلدَّلَالَةِ عَلَى عَظِيمِ تَصَرُّفِ اللَّهِ.

فَأَمَّا الَّذِينَ أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حَاصِبٌ فَهُمْ عَادٌ. وَالْحَاصِبُ: الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ، سُمِّيَتْ حَاصِبًا لِأَنَّهَا تَقْلَعُ الْحَصْبَاءَ مِنَ الْأَرْضِ. قَالَ أَبُو وجرة السَّعْدِيُّ:

صَبَبْتُ عَلَيْكُمْ حَاصِبِي فَتَرَكْتُكُمْ ... كَأَصْرَامِ عَادٍ حِينَ جَلَّلَهَا الرَّمْدُ

فَجَعَلَ الْحَاصِبَ مِمَّا أَصَابَ عَادًا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِمْ قَوْمُ لُوطٍ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ [الْقَمَر: ٣٤] لِأَنَّ قَوْمَ لُوطٍ مَرَّ آنِفًا الْكَلَامُ عَلَى عَذَابِهِمْ مُفَصَّلًا فَلَا يَدْخُلُونَ فِي هَذَا الْإِجْمَالِ.

وَالَّذِينَ أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ هُمْ ثَمُودُ. وَالَّذِينَ خَسَفَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ هُوَ قَارُونُ وَأَهْلُهُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخَسْفِ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ [٨١، ٨٢] . وَالَّذِينَ أَغْرَقَهُمْ: فِرْعَوْنُ وَهَامَانُ وَمَنْ

مَعَهُمَا مِنْ قَوْمِهِمَا. وَقَدْ جَاءَ هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ النَّشْرِ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ.

وَالْأَخْذُ: الْإِتْلَافُ وَالْإِهْلَاكُ شَبَّهَ الْإِعْدَامَ بِالْأَخْذِ بِجَامِعِ إِزَالَةِ الشَّيْءِ مِنْ مَكَانِهِ فَاسْتُعِيرَ لَهُ فِعْلُ أَخَذْنا. وَقَدْ نُفِيَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ظُلْمُ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ إِيلَامَهُمْ كَانَ جَزَاءً عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ نَوْعِ الْجَزَاءِ يُوصَفُ بِالْعَدْلِ وَقَدْ نَفَى اللَّهُ عَنْ نَفْسِهِ الْوَصْفَ بِالظُّلْمِ فَوَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ سَمْعًا لَا عَقْلًا فِي مَقَامِ الْجَزَاءِ، وَأَمَّا فِي