للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِعْجَازِ فِي لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ وَلِمَا أَيَّدَ ذَلِكَ الْإِعْجَازَ مِنْ كَوْنِ الْآتِي بِهِ أُمِّيًّا لَمْ يَكُنْ يَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ كِتَابًا وَلَا يَخُطُّ، أَيْ بَلِ الْقُرْآنُ آيَاتٌ لَيْسَتْ مِمَّا كَانَ يُتْلَى قَبْلَ نُزُولِهِ بَلْ هُوَ آيَاتٌ فِي صَدْرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَالْمُرَادُ مِنْ: صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ صدر للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْجَمْعِ تَعْظِيمًا لَهُ.

والْعِلْمَ الَّذِي أُوتِيَهُ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ النبوءة كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً [النَّمْل: ١٥] . وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ كَوْنَهُ فِي صَدْرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ شَأْنُ كُلِّ مَا يُنَزَّلُ مِنَ الْقُرْآنِ حِينَ نُزُولِهِ، فَإِذَا أُنْزِلَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخُطَّهُ الْكَاتِبُونَ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ كِتَابًا لِلْوَحْيِ فَكَانُوا رُبَّمَا كَتَبُوا الْآيَةَ فِي حِينِ نُزُولِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ [النِّسَاء: ٩٥] وَكَذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ نُزُولِهِ مَتْلُوًّا، فَالْمَنْفِيُّ هُوَ أَنْ يَكُونَ مَتْلُوًّا قَبْلَ نُزُولِهِ. هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْإِضْرَابِ عَنْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو كِتَابًا قَبْلَ هَذَا الْقُرْآنِ بِحَيْثُ يُظَنُّ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ مِمَّا كَانَ يَتْلُوهُ مِنْ قَبْلُ فَلَمَّا انْتَفَى ذَلِكَ نَاسَبَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ حَالِ تَلَقِّي الْقُرْآنِ، فَذَلِكَ هُوَ مَوْقِعُ قَوْلِهِ: فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ كَمَا قَالَ: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ [الشُّعَرَاء: ١٩٣، ١٩٤] وَقَالَ: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ [الْفرْقَان: ٣٢] .

وَأَمَّا الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فَذَلِكَ تَمْهِيدٌ لِلْغَرَضِ وَإِكْمَالٌ لِمُقْتَضَاهُ، وَلِهَذَا فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ: فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ خَبَرًا ثَانِيًا عَنِ

الضَّمِيرِ. وَيَلْتَئِمُ التَّقْدِيرُ هَكَذَا: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ بَلْ هُوَ أُلْقِيَ فِي صَدْرِكَ وَهُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِ صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ صُدُورَ أَصْحَابِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُفَّاظِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ تَتْمِيمًا لِلثَّنَاءِ عَلَى الْقُرْآنِ وَأَنَّ الْغَرَضَ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فَيَكُونُ الْمَجْرُورُ صِفَةً لِ آياتٌ وَالْإِبْطَالُ مُقْتَصِرٌ عَلَى قَوْلِهِ: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ.