للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ أَشَارَ قَوْلُهُ: يُتْلى عَلَيْهِمْ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى خَمْسِ مَزَايَا لِلْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ.

الْمَزِيَّةُ الْأُولَى: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ يُتْلى عَلَيْهِمْ مِنِ انْتِشَارِ إِعْجَازِهِ وَعُمُومِهِ فِي الْمَجَامِعِ وَالْآفَاقِ وَالْأَزْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ بِحَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِإِدْرَاكِ إِعْجَازِهِ فَرِيقٌ خَاصٌّ فِي زَمَنٍ

خَاصٍّ شَأْنَ الْمُعْجِزَاتِ الْمَشْهُودَةِ مِثْلَ عَصَا مُوسَى وَنَاقَةِ صَالِحٍ وَبُرْءِ الْأَكْمَهِ، فَهُوَ يُتْلَى، وَمِنْ ضِمْنِ تِلَاوَتِهِ الْآيَاتُ الَّتِي تُحَدِّتُ النَّاسَ بِمُعَارَضَتِهِ وَسَجَّلَتْ عَلَيْهِمْ عَجْزَهُمْ عَنِ الْمُعَارَضَةِ مِنْ قَبْلِ مُحَاوَلَتِهِمْ إِيَّاهَا فَكَانَ كَمَا قَالَ فَهُوَ مُعْجِزَةٌ بَاقِيَةٌ وَالْمُعْجِزَاتُ الْأُخْرَى مُعْجِزَاتٌ زَائِلَةٌ.

الْمَزِيَّةُ الثَّانِيَةُ: كَوْنُهُ مِمَّا يُتْلَى، فَإِنَّ ذَلِكَ أَرْفَعُ مِنْ كَوْنِ الْمُعْجِزَاتِ الْأُخْرَى أَحْوَالًا مَرْئِيَّةً لِأَنَّ إِدْرَاكَ الْمَتْلُوِّ إِدْرَاكٌ عَقْلِيٌّ فِكْرِيٌّ وَهُوَ أَعْلَى مِنَ الْمُدْرَكَاتِ الْحِسِّيَّةِ فَكَانَتْ مُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ أَلْيَقُ بِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ عُصُورِ الْعِلْمِ الَّتِي تَهَيَّأَتْ إِلَيْهَا الْإِنْسَانِيَّةُ.

الْمَزِيَّةُ الثَّالِثَةُ: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً فَإِنَّهَا وَارِدَةٌ مَوْرِدَ التَّعْلِيلِ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ عَدَمِ اكْتِفَائِهِمْ بِالْكِتَابِ وَفِي التَّعْلِيلِ تَتْمِيمٌ لِمَا اقْتَضَاهُ التَّعْبِيرُ بِالْكِتَابِ وَبِ يُتْلى عَلَيْهِمْ، فَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكَ إِلَى الْكِتابَ لِيَسْتَحْضِرَ بِصِفَاتِهِ كُلِّهَا وَلِلتَّنْوِيهِ بِهِ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْإِشَارَةُ مِنَ التَّعْظِيمِ. وَتَنْكِيرُ (رَحْمَةً) لِلتَّعْظِيمِ، أَيْ لَا يُقَادَرُ قَدْرُهَا. فَالْكِتَابُ الْمَتْلُوُّ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا هُوَ رَحْمَةٌ لَهُمُ اشْتِمَالَ الظَّرْفِ عَلَى الْمَظْرُوفِ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى إِقَامَةِ الشَّرِيعَةِ وَهِيَ رَحْمَةٌ وَصَلَاحٌ لِلنَّاسِ فِي دُنْيَاهُمْ، فَالْقُرْآنُ مَعَ كَوْنِهِ مُعْجِزَةً دَالَّةً عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُرْشِدَةً إِلَى تَصْدِيقِهِ مِثْلَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَهُوَ أَيْضًا وَسِيلَةُ عِلْمٍ وَتَشْرِيعٍ وَآدَابٍ لِلْمَتْلُوِّ عَلَيْهِمْ وَبِذَلِكَ فَضَلَ غَيْرَهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي لَا تُفِيدُ إِلَّا تَصْدِيقَ الرَّسُولِ الْآتِي بِهَا.

الْمَزِيَّةُ الرَّابِعَةُ: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: وَذِكْرى فَإِنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَوَاعِظَ وَنُذُرٍ وَتَعْرِيفٍ بِعَوَاقِبِ الْأَعْمَالِ، وَإِعْدَادٍ إِلَى الْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ تَذْكِيرٌ بِمَا فِي تَذَكُّرِهِ خَيْرُ الدَّارَيْنِ، وَبِذَلِكَ فَضَلَ غَيْرَهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الصَّامِتَةِ الَّتِي لَا تُفِيدُ أَزْيَدَ مِنْ كَوْنِ الْآتِيَةِ عَلَى يَدَيْهِ صَادِقًا.