للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالشَّهِيدُ: الشَّاهِدُ، وَلَمَّا ضُمِّنَ مَعْنَى الْحَاكِمِ عُدِّيَ بِظَرْفِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ فِي عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ الْمَلِكِ:

وَهُوَ الرَّبُّ وَالشَّهِيدُ عَلَى يَوْ ... مِ الْحِيَارَيْنِ وَالْبَلَاءُ بَلَاءُ

وَجُمْلَةُ: يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مُقَرِّرَةٌ لِمَعْنَى الِاكْتِفَاءِ بِهِ شَهِيدًا فَهِيَ تَتَنَزَّلُ مِنْهَا مَنْزِلَةَ التَّوْكِيدِ.

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

بَعْدَ أَنْ أَنْصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً اسْتَمَرَّ فِي الِانْتِصَافِ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُونَ إِنْكَارَهُ وَهُوَ أَنَّ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا الْبَاطِلَ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ هُمُ الْخَاسِرُونَ فِي الْحُكُومَةِ وَالْقَضِيَّةِ الْمَوْكُولَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُمْ إِنْ تَأَمَّلُوا فِي إِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ حَقَّ التَّأَمُّلِ وَجَدُوا أَنْفُسَهُمْ غَيْرَ مُؤْمِنِينَ بِإِلَهِيَّتِهِ لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا مَعَهُ مَا لَيْسَ حَقِيقًا بِالْإِلَهِيَّةِ فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ فَتَعَيَّنَ

أَنَّهُمْ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ فَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ كَقَوْلِهِ: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: ٢٤] ، وَقَوْلِ حَسَّانَ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ أَيَّامَ جَاهِلِيَّتِهِ:

أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ ... فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ

وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ آمَنُوا وكَفَرُوا مُحَسِّنُ الْمُضَادَّةِ وَهُوَ الطِّبَاقُ.

وَالْبَاطِلُ: ضِدُّ الْحَقِّ، أَيْ مَا لَيْسَ بِحَقِيقٍ أَنْ يُؤْمَنَ بِهِ، أَيْ مَا لَيْسَ بِإِلَهٍ حَقٍّ وَلَكِنَّهُمْ يَدَّعُونَ لَهُ الْإِلَهِيَّةَ وَذَلِكَ إِيمَانُهُمْ بِإِلَهِيَّةِ الْأَصْنَامِ. وَأَمَّا كُفْرُهُمْ بِاللَّهِ فَلِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا مَعَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ فَكَفَرُوا بِأَعْظَمِ صِفَاتِهِ وَهِيَ الْوَحْدَانِيَّةُ. وَاسْمُ الْإِشَارَةِ يُفِيدُ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ أَحْرِيَاءُ بِالْحُكْمِ الْوَارِدِ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِأَجْلِ الْأَوْصَافِ الَّتِي ذُكِرَتْ لَهُمْ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِثْلَ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] .

وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَعْرِيفِ جُزْأَيْ جُمْلَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِلْمُبَالَغَةِ فِي اتِّصَافِهِمْ بِالْخُسْرَانِ الْعَظِيمِ بِحَيْثُ إِنَّ كُلَّ خُسْرَانٍ فِي جَانِبِ خُسْرَانِهِمْ كَالْعَدَمِ