للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَجِيءَ بِحَرْفِ الْمُفَاجَأَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمُ ابْتَدَرُوا إِلَى الْإِشْرَاكِ فِي حِينِ حُصُولِهِمْ فِي الْبَرِّ، أَيْ أَسْرَعُوا إِلَى مَا اعْتَادُوهُ مِنْ زِيَارَةِ أَصْنَامِهِمْ وَالذَّبْحِ لَهَا. وَالْمُفَاجَأَةُ عُرْفِيَّةٌ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْإِرْسَاءُ فِي الْبَرِّ وَالْوُصُولُ إِلَى مَوَاطِنِهِمْ فَكَانُوا يُبَادِرُونَ بِإِطْعَامِ الطَّعَامِ عِنْدَ الرُّجُوعِ مِنَ السَّفَرِ.

وَاللَّامُ فِي لِيَكْفُرُوا لَامُ التَّعْلِيلِ وَهِيَ لَامُ كَيْ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلِ يُشْرِكُونَ.

وَالْكُفْرُ هُنَا لَيْسَ هُوَ الشِّرْكُ وَلَكِنَّهُ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بِما آتَيْناهُمْ فَإِنَّ الْإِيتَاءَ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ وَبِقَرِينَةِ تَفْرِيعِهِ عَلَى يُشْرِكُونَ فَالْعِلَّةُ مُغَايِرَةٌ لِلْمَعْلُولِ وَكُفْرَانُ النِّعْمَةِ مُسَبَّبٌ عَنِ

الْإِشْرَاكِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا بَادرُوا إِلَى شؤون الْإِشْرَاكِ فَقَدْ أَخَذُوا يَكْفُرُونَ النِّعْمَةَ، فَاللَّامُ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ، شَبَّهَ الْمُسَبَّبَ بِالْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ فَاسْتُعِيرَ لَهُ حَرْفُ التَّعْلِيلِ عِوَضًا عَنْ فَاءِ التَّفْرِيعِ.

وَأَمَّا اللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَلِيَتَمَتَّعُوا بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهَا لَامُ التَّعْلِيلِ فِي قِرَاءَةِ وَرْشٍ عَنْ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَابْنِ عَامِرٍ وَعَاصِمٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ. وَقَرَأَهُ قَالُونُ عَنْ نَافِعٍ وَابْنُ كَثِيرٍ، وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِسُكُونِهَا فَهِيَ لَامُ الْأَمْرِ، وَهِيَ بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ تُسَكَّنُ وَتُكْسَرُ، وَعَلَيْهِ فَالْأَمْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهْدِيدِ نَظِيرَ قَوْلِهِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فصلت: ٤٠] وَهُوَ عَطْفُ جُمْلَةِ التَّهْدِيدِ عَلَى جُمْلَةِ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِلَخْ ... نَظِيرَ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الرُّومِ [٣٤] لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ.

وَالتَّمَتُّعُ: الِانْتِفَاعُ الْقَصِيرُ زَمَنُهُ.

وَجُمْلَةُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ تَفْرِيعٌ عَلَى التهديد بالوعيد.

[٦٧]

[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ٦٧]

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (٦٧)

هَذَا تَذْكِيرٌ خَاصٌّ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَإِنَّمَا خُصُّوا مِنْ بَيْنِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قُدْوَةٌ لِجَمِيعِ الْقَبَائِلِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَكْثَرَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ مَاذَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَقْبَلَتْ وُفُودُ الْقَبَائِلِ مُعْلِنَةً إِسْلَامَهُمْ.

وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ [العنكبوت: ٦٥] بِاعْتِبَارِ مَا