للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تُظْهِرُونَ فَإِذَا صَحَّ مَا رُوِيَ عَنْهُ فَتَأْوِيلُهُ: أَنَّ سُبْحَانَ أَمْرٌ بِأَنْ يَقُولُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَشْتَمِلُ عَلَى قَوْلِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ.

وَقَوْلُهُ حِينَ تُمْسُونَ إِلَى آخِرِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مُوَجَّهًا إِلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَالْمُنَاسَبَةُ مَعَ سَابِقِهِ أَنَّهُ لَمَّا وَعَدَهُمْ بِحُسْنِ مَصِيرِهِمْ لَقَّنَهُمْ شُكْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي أَجْزَاءِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. وَهَذَا التَّفْرِيعُ يُؤْذِنُ بِأَنَّ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ الْوَاقِعَيْنِ إِنْشَاءُ ثَنَاءٍ عَلَى اللَّهِ كِنَايَةً عَنِ الشُّكْرِ عَنِ النِّعْمَةِ لِأَنَّ التَّصَدِّي لِإِنْشَاءِ الثَّنَاءِ عَقِبَ حُصُولِ الْإِنْعَامِ أَوِ الْوَعْدِ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَادِحَ مَا بَعَثَهُ عَلَى الْمَدْحِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ إِلَّا قَصْدُ الْجَزَاءِ عَلَى النِّعْمَةِ بِمَا فِي طَوْقِهِ، كَمَا

وَرَدَ (فَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى مُكَافَأَتِهِ فَادْعُوا لَهُ)

. وَلَيْسَتِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَأَوْقَاتُهَا هِيَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ وَلَكِنْ نُسِجَتْ عَلَى نَسْجٍ صَالِحٍ لِشُمُولِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَأَوْقَاتَهَا وَذَلِكَ مِنْ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَسْبِيحٌ وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا السُّبْحَةَ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ. وَأُضِيفَ الْحِينُ إِلَى جُمْلَتَيْ تُمْسُونَ وتُصْبِحُونَ. وَقُدِّمَ فِعْلُ الْإِمْسَاءِ عَلَى فِعْلِ الْإِصْبَاحِ: إِمَّا لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْعَرَبِيَّ يَعْتَبِرُونَ فِيهِ اللَّيَالِي مَبْدَأُ عَدَدِ الْأَيَّامِ كَثِيرًا قَالَ تَعَالَى سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ [سبأ:

١٨] ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْكَلَامَ لَمَّا وَقَعَ عَقِبَ ذِكْرِ الْحَشْرِ مِنْ قَوْله اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الرّوم: ١١] وَذِكْرُ قِيَامِ السَّاعَةِ نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِمْسَاءُ وَهُوَ آخِرُ الْيَوْمِ خَاطِرًا فِي الذِّهْنِ فَقُدِّمَ لَهُمْ ذِكْرُهُ.

وعَشِيًّا عَطْفٌ عَلَى حِينَ تُمْسُونَ. وَقَوْلُهُ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الظُّرُوفِ تُفِيدُ أَنَّ تَسْبِيحَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ لَيْسَ لِمَنْفَعَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ لِمَنْفَعَةِ الْمُسَبِّحِينَ لِأَنَّ اللَّهَ مَحْمُودٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ حَمْدِنَا.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي وَلَهُ الْحَمْدُ لِإِفَادَةِ الْقَصْرِ الِادِّعَائِيِّ لِجِنْسِ الْحَمْدِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ حَمْدَهُ هُوَ الْحَمْدُ الْكَامِلُ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ الشُّجَاعُ، كَمَا تَقَدَّمَ