للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِخْراجاً [نوح: ١٧، ١٨] . وَلَا وَجْهَ لِاقْتِصَارِ التَّشْبِيهِ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْإِبْدَاءَ وَالْإِعَادَةَ مُتَسَاوِيَانِ فَلَيْسَ الْبَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِأَعْجَبَ مِنِ ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ وَلَكِنَّ الْمُشْرِكِينَ حَكَّمُوا الْإِلْفَ فِي مَوْضِعِ تَحْكِيمِ الْعَقْلِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَفْصٌ وَحَمْزَةُ الْمَيِّتِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تُخْرَجُونَ بِضَمِّ التَّاءِ

الْفَوْقِيَّةِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكسَائِيّ بِفَتْحِهَا.

[٢٠]

[سُورَة الرّوم (٣٠) : آيَة ٢٠]

وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠)

لَمَّا كَانَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْبَعْثِ مُتَضَمِّنًا آيَاتٍ عَلَى تَفَرُّدِهِ تَعَالَى بِالتَّصَرُّفِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ انْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالِ إِلَى آيَاتٍ عَلَى ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الْعَظِيمِ غَيْرَ مَا فِيهِ إِثْبَاتُ الْبَعْثِ تَثْبِيتًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِعْذَارًا لِمَنْ أَشْرَكُوا فِي الْإِلَهِيَّةِ. وَقَدْ سَبَقَتْ سِتُّ آيَاتٍ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، وَابْتُدِئَتْ بِكَلِمَةٍ وَمِنْ آياتِهِ تَنْبِيهًا عَلَى اتِّحَادِ غَرَضِهَا، فَهَذِهِ هِيَ الْآيَةُ الْأُولَى وَلَهَا شَبَهٌ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْبَعْثِ لِأَنَّ خَلْقَ النَّاسِ مِنْ تُرَابٍ وَبَثَّ الْحَيَاةِ وَالِانْتِشَارَ فِيهِمْ هُوَ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ إِخْرَاجِ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ هِيَ الْأَوْلَى فِي الذِّكْرِ لِمُنَاسَبَتِهَا لِمَا قَبْلَهَا فَجُعِلَتْ تَخَلُّصًا مِنْ دَلَائِلِ الْبَعْثِ إِلَى دَلَائِلِ عَظِيمِ الْقُدْرَةِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ كَائِنَةٌ فِي خَلْقِ جَوْهَرِ الْإِنْسَانِ وَتَقْوِيمِ بَشَرِيَّتِهِ.

وَتَقَدَّمَ كَيْفَ كَانَ الْخَلْقُ مِنْ تُرَابٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ [١٢، ١٣] .

فَضَمِيرُ النَّصْبِ فِي خَلَقَكُمْ عَائِدٌ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَجِّ [٥] فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ الْآيَةَ.

وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ لِلنَّاسِ بِأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُمْ أَشْعَرُ بِهَا مِمَّا سِوَاهَا، وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّ النُّطَفَ أَصَّلُ الْخِلْقَةِ، وَهُمْ إِذَا تَأَمَّلُوا عَلِمُوا أَنَّ النُّطْفَةَ تَتَكَوَّنُ مِنَ الْغِذَاءِ، وَأَنَّ الْغِذَاءَ يَتَكَوَّنُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، وَأَنَّ نَبَاتَ الْأَرْضِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَجْزَاءِ التُّرَابِيَّةِ الَّتِي أَنْبَتَتْهُ