للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ فِي قَوْلِهِ مِنَ النَّاسِ لِلتَّشْوِيقِ إِلَى تَلَقِّي خَبَرِهِ الْعَجِيبِ. وَالِاشْتِرَاءُ كِنَايَةٌ عَنِ الْعِنَايَةِ بِالشَّيْءِ وَالِاغْتِبَاطِ بِهِ وَلَيْسَ هُنَا اسْتِعَارَةً بِخِلَافِ قَوْلِهِ أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦] فَالِاشْتِرَاءُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي صَرِيحِهِ وَكِنَايَتِهِ: فَالصَّرِيحُ تَشْوِيهٌ لِاقْتِنَاءِ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ قِصَصَ رُسْتَمَ وَإِسْفِنْدِيَارَ وَبَهْرَامَ، وَالْكِنَايَةُ تَقْبِيحٌ لِلَّذِينَ الْتَفُّوا حَوْلَهُ وَتَلَقَّوْا أَخْبَارَهُ، أَيْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْغَلُهُ لَهْوُ الْحَدِيثِ وَالْوَلَعُ بِهِ عَنِ الِاهْتِدَاءِ بِآيَاتِ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ.

وَاللَّهْوُ: مَا يُقْصَدُ مِنْهُ تَشْغِيلُ الْبَالِ وَتَقْصِيرُ طُولِ وَقْتِ الْبِطَالَةِ دُونَ نَفْعٍ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتْ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ اللَّهْوَ بَلْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ. ولَهْوَ الْحَدِيثِ مَا كَانَ مِنَ الْحَدِيثِ مُرَادًا لِلَّهْوِ فَإِضَافَةُ لَهْوَ إِلَى الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى مِنَ التَّبْعِيضِيَّةِ عَلَى رَأْيِ بَعْضِ النُّحَاةِ، وَبَعْضُهُمْ لَا يُثْبِتُ الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنَى مِنَ التَّبْعِيضِيَّةِ فَيَرُدُّهَا إِلَى مَعْنَى اللَّامِ.

وَتَقَدَّمَ اللَّهْوُ فِي قَوْلِهِ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٣٢] .

وَالْأَصَحُّ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ فِي تِجَارَةٍ إِلَى بِلَادِ فَارِسَ فَيَتَلَقَّى أَكَاذِيبَ الْأَخْبَارِ عَنْ أَبْطَالِهِمْ فِي الْحُرُوبِ الْمَمْلُوءَةِ أُكْذُوبَاتٍ فَيَقُصُّهَا عَلَى قُرَيْشٍ فِي أَسْمَارِهِمْ وَيَقُولُ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ يُحَدِّثُكُمْ بِأَحَادِيثِ عَادٍ وَثَمُودَ فَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَحَادِيثِ رُسْتَمَ وَإِسْفِنْدِيَارَ وَبَهْرَامَ. وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ قَالَ: إِنَّ النَّضْرَ كَانَ يَشْتَرِي مِنْ بِلَادِ فَارِسَ كُتُبَ أَخْبَارِ مُلُوكِهِمْ فَيُحَدِّثُ بِهَا قُرَيْشًا، أَيْ بِوَاسِطَةِ مَنْ يُتَرْجِمُهَا لَهُمْ. وَيَشْمَلُ لَفْظُ النَّاسِ أَهْلَ سَامِرِهِ الَّذِينَ يُنْصِتُونَ لِمَا يَقُصُّهُ عَلَيْهِمْ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى إِثْرَهُ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.

وَقِيلَ الْمُرَادُ بِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ مَنْ يَقْتَنِي الْقَيْنَاتِ الْمُغَنِّيَاتِ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ بن عبد الرحمان عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ»

، فِي مِثْلِ ذَلِكَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا