للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَعِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ

. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:

فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَتَلَتْهُ الْخَزْرَجُ وَكَانَ قَتله قبل يَوْمَ بُعَاثٍ. وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ يَقُولُونَ: إِنَّا لَنَرَاهُ قَدْ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَكَانَ قَوْمُهُ يَدْعُونَهُ الْكَامِلَ اهـ. وَفِي «الِاسْتِيعَابِ» لِابْنِ عَبْدِ الْبِرِّ: أَنَا شَاكٌّ فِي إِسْلَامِهِ كَمَا شَكَّ غَيْرِي. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ السُّورَةِ أَنْ قُرَيْشًا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُقْمَانَ وَابْنِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا لِلْعَرَبِ. وَقَدِ انْتَهَى إِلَيَّ حِينَ كِتَابَةِ هَذَا التَّفْسِيرِ مِنْ حِكَمِ لُقْمَانَ الْمَأْثُورَةِ ثَمَانٌ وَثَلَاثُونَ حِكْمَةً غَيْرَ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَسَنَذْكُرُهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ.

وَالْإِيتَاءُ: الْإِعْطَاءُ، وَهُوَ مُسْتَعَارٌ هُنَا لِلْإِلْهَامِ أَوِ الْوَحْيِ.

ولُقْمانَ: اسْمُ عَلَمٍ مَادَّتُهُ مَادَّةٌ عَرَبِيَّةٌ مُشْتَقٌّ مِنَ اللَّقْمِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْعَرَبَ عَرَّبُوهُ

بِلَفْظٍ قَرِيبٍ مِنْ أَلْفَاظِ لُغَتِهِمْ عَلَى عَادَتِهِمْ كَمَا عَرَّبُوا شَاوُلَ بِاسْمِ طَالُوتَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ لَا لِلْعُجْمَةِ.

وَتَقَدَّمُ تَعْرِيفُ الْحِكْمَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦٩] ، وَقَوْلِهِ ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [١٢٥] .

وأَنِ فِي قَوْلِهِ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ تَفْسِيرِيَّةٌ وَلَيْسَتْ تَفْسِيرًا لِفِعْلِ آتَيْنا لِأَنَّهُ نَصَبَ مَفْعُولَهُ وَهُوَ الْحِكْمَةُ، فَتَكُونُ أَنِ مُفَسِّرَةً لِلْحِكْمَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحِكْمَةَ هُنَا أَقْوَالٌ أُوحِيَتْ إِلَيْهِ أَوْ أُلْهِمَهَا فَيَكُونُ فِي الْحِكْمَةِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ فَيَصْلُحُ أَنْ تُفَسِّرَ بِ أَنِ التَّفْسِيرِيَّةِ، كَمَا فُسِّرَتْ حَاجَةً فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ وَهُوَ مِنْ شَوَاهِدِ الْعَرَبِيَّةِ:

إِنْ تَحْمِلَا حَاجَةً لِي خَفَّ مَحْمَلُهَا ... تَسْتَوْجِبَا مِنَّةً عِنْدِي بِهَا ويدا

أَن تقرءان عَلَيْ أَسْمَاءَ وَيْحَكُمَا ... مِنِّي السَّلَامَ وَأَنْ لَا تُخْبِرَا أَحَدَا

وَالصُّوفِيَّةُ وَحُكَمَاءُ الْإِشْرَاقِ يَرَوْنَ خَوَاطِرَ الْأَصْفِيَاءِ حُجَّةً وَيُسَمُّونَهَا إِلْهَامًا. وَمَالَ إِلَيْهِ جَمٌّ مِنْ عُلَمَائِنَا. وَقَدْ قَالَ قُطْبُ الدِّينِ الشِّيرَازِيُّ فِي «دِيبَاجَةِ شَرْحِهِ عَلَى الْمِفْتَاحِ» : أَمَّا بَعْدُ إِنِّي قَدْ أُلْقِيَ إِلَيَّ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْذَارِ، مِنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ،