للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَهُ كَقَوْلِهِمْ:

وَلَا تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرُ (١) وَهُوَ مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ الْمَنَاطِقَةُ بِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ مَعَ نَفْيِ الْمَوْضُوعِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالًا فِي أَصْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَلَا وَالْمَنَاطِقَةُ تَبِعُوا فِيهِ أَسَالِيبَ الْيُونَانِ.

وَالْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الْآيَاتِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرَتِهَا.

وَهُنَا خَتَمَ الْحِجَاجَ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَذَلِكَ مِنْ براعة المقطع.

[١٢٤]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٢٤]

وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)

لَمَّا كَمُلَتِ الْحُجَجُ نُهُوضًا عَلَى أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ فِي عَمِيقِ ضَلَالِهِمْ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَتَبْيِنِ سُوءِ نَوَايَاهُمُ الَّتِي حَالَتْ دُونَ الِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِفَضْلِهِ، وَسَجَّلَ ذَلِكَ عَلَى زُعَمَاءِ الْمُعَانِدِينَ أَعْنِي الْيَهُودَ ابْتِدَاءً بِقَوْلِهِ: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ [الْبَقَرَة: ٤٠] مَرَّتَيْنِ، وَأَدْمَجَ مَعَهُمُ النَّصَارَى اسْتِطْرَادًا مَقْصُودًا، ثُمَّ أُنْصِفَ الْمُنْصِفُونَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يَتْلُونَ الْكِتَابَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ، انْتَقَلَ إِلَى تَوْجِيهِ التَّوْبِيخِ وَالتَّذْكِيرِ إِلَى الْعَرَبِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَّهُمْ يَتَعَلَّقُونَ بِمِلَّتِهِ، وَأَنَّهُمْ زَرْعُ إِسْمَاعِيلَ وَسَدَنَةُ الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ، وَكَانُوا قَدْ وُخِزُوا بِجَانِبٍ مِنَ التَّعْرِيضِ فِي خِلَالِ الْمُحَاوَرَاتِ الَّتِي جَرَتْ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلصِّفَةِ الَّتِي جَمَعَتْهُمْ وَإِيَّاهُمْ مِنْ حَسَدِ النَّبِيءِ وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ مِنْ خَيْرٍ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ لَيْسَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى شَيْءٍ، وَمِنْ قَوْلِهِمُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الْبَقَرَة:

١١٦] ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ [الْبَقَرَة: ١١٨] . فَلَمَّا أَخَذَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى حَظَّهُمْ مِنَ الْإِنْذَارِ وَالْمَوْعِظَةِ كَامِلًا فِيمَا اخْتَصُّوا بِهِ، وَأَخَذُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ حَظَّهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا اشْتَرَكُوا فِيهِ تَهَيَّأَ الْمَقَامُ لِلتَّوَجُّهِ إِلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِإِعْطَائِهِمْ حَظَّهُمْ مِنَ الْمَوْعِظَةِ كَامِلًا فِيمَا


(١) ينجحر أَي يدْخل جُحْره وَهُوَ بجيم ثمَّ حاء. وَقيل هَذَا المصراع قَوْله:
لَا تفزع الأرنب أهوالها كَذَا فِي «شرح التفتازانيّ على الْمِفْتَاح» فِي بَاب الإيجاز.