للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِبْرَاهِيمَ، وَيَلْزَمُهُ تَخْصِيصُ هَاتِهِ الْمَوْعِظَةِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتَخَلَّلَ وَاتَّقُوا يَوْماً

[الْبَقَرَة: ١٢٣] بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ وَذَلِكَ يُضَيِّقُ شُمُولَ الْآيَةِ، وَقَدْ أُدْمِجَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي وَقَوْلُهُ: لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَقْصِدٌ آخَرُ وَهُوَ تَمْهِيدُ الِانْتِقَالِ إِلَى فَضَائِلِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَالْبَيْتِ الْحَرَامِ، لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الَّذِينَ عَجِبُوا مِنْ نَسْخِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَتَذَرَّعُوا بِذَلِكَ إِلَى الطَّعْنِ فِي الْإِسْلَامِ بِوُقُوعِ النَّسْخِ فِيهِ، وَإِلَى تَنْفِيرِ عَامَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنِ اتِّبَاعِهِ لِأَنَّهُ غَيَّرَ قِبْلَتَهُمْ لِيُظْهِرَ لَهُمْ أَنَّ الْكَعْبَةَ هِيَ أَجْدَرُ بِالِاسْتِقْبَالِ وَأَنَّ اللَّهَ اسْتَبْقَاهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى مَزِيَّةِ هَذَا الدِّينِ.

وَالِابْتِلَاءُ افْتِعَالٌ مِنَ الْبَلَاءِ، وَصِيغَةُ الِافْتِعَالِ هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ وَالْبَلَاءُ الِاخْتِبَارُ وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [الْبَقَرَة: ٤٩] ، وَهُوَ مَجَازٌ مَشْهُورٌ فِيهِ لِأَنَّ الَّذِي يُكَلِّفُ غَيْرَهُ بِشَيْءٍ يَكُونُ تَكْلِيفُهُ مُتَضَمِّنًا انْتِظَارَ فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ فَيَلْزَمُهُ الِاخْتِبَارُ فَهُوَ مَجَازٌ عَلَى مَجَازٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا التَّكْلِيفُ لِأَنَّ اللَّهَ كَلَّفَهُ بِأَوَامِرَ وَنَوَاهٍ إِمَّا مِنَ الْفَضَائِلِ وَالْآدَابِ وَإِمَّا مِنَ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِهِ، وَلَيْسَ فِي إِسْنَادِ الِابْتِلَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِشْكَالٌ بَعْدَ أَنْ عَرَفْتَ أَنَّهُ مَجَازٌ فِي التَّكْلِيفِ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ اسْتِعَارَةً تَمْثِيلِيَّةً، وَكَيْفَمَا كَانَ فَطَرِيقُ التَّكْلِيفِ وَحْيٌ لَا مَحَالَةَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِنُبُوءَةٍ لِتَتَهَيَّأَ نَفْسُهُ لِتَلَقِّي الشَّرِيعَةِ فَلَمَّا امْتَثَلَ

مَا أُمِرَ بِهِ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرِّسَالَةِ وَهِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فَتَكُونُ جُمْلَةُ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ جُمْلَةِ وَإِذِ ابْتَلى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِابْتِلَاءُ هُوَ الْوَحْيُ بِالرِّسَالَةِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً تَفْسِيرًا لِابْتَلَى.

وَالْإِمَامُ الرَّسُول والقدوة.

و (إِبْرَاهِيم) اسْمُ الرَّسُولِ الْعَظِيمِ الْمُلَقَّبِ بِالْخَلِيلِ وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ تَارَحَ (وَتُسَمِّي الْعَرَبُ تَارَحَ آزَرَ) بْنَ نَاحُورَ بْنِ سُرُوجِ، ابْن رَعْوِ، ابْن فَالِحَ، ابْن عَابِرَ ابْن شَالِحَ ابْن أَرْفِكْشَادَ، ابْن سَامِ ابْن نُوحٍ هَكَذَا تَقُولُ التَّوْرَاةُ. وَمَعْنَى إِبْرَاهِيمَ فِي لُغَةِ الْكَلْدَانِيِّينَ أَبٌ رَحِيمٌ أَوْ أَبٌ رَاحِمٌ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ، وَفِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اسْمَ إِبْرَاهِيمَ إِبْرَامُ وَأَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَوْحَى إِلَيْهِ وَكَلَّمَهُ أَمَرَهُ أَنْ يُسَمَّى إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ أَبَا لِجُمْهُورٍ مِنَ الْأُمَمِ، فَمَعْنَى إِبْرَاهِيمَ عَلَى هَذَا أَبُو أُمَمٍ كَثِيرَةٍ.

وُلِدَ فِي أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ سَنَةَ ١٩٩٦ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَأَلْفٍ قَبْلَ مِيلَادِ الْمَسِيحِ، ثُمَّ انْتَقَلَ بِهِ وَالِدُهُ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ (وَهِيَ أَرْضُ الْفِنِيقِيِّينَ) فَأَقَامُوا بِحَارَانَ (هِيَ حَوْرَانُ)