للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهُ لَهَا، وَلَمْ يَرِدِ اسْمُ عِزْرَائِيلَ فِي الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ فَتَكُونُ كَقَوْلِهِ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا [الْأَنْعَام: ٦١] .

[١٢]

[سُورَة السجده (٣٢) : آيَة ١٢]

وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)

أَرْدَفَ ذِكْرَ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ بِتَصْوِيرِ حَالِ الْمُنْكِرِينَ أَثَرَ الْبَعْثِ وَذَلِكَ عِنْدَ حَشْرِهِمْ إِلَى الْحِسَابِ، وَجِيءَ فِي تَصْوِيرِ حَالِهِمْ بِطَرِيقَةِ حَذْفِ جَوَابِ لَوْ حَذْفًا يُرَادِفُهُ أَنْ تَذْهَبَ نَفْسُ السَّامِعِ كُلَّ مَذْهَبٍ مِنْ تَصْوِيرِ فَظَاعَةِ حَالِهِمْ وَهَوْلِ مَوْقِفِهِمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِمْ، وَبِتَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لِإِفَادَةِ تَنَاهِي حَالِهِمْ فِي الظُّهُورِ حَتَّى لَا يَخْتَصَّ بِهِ مُخَاطَبٌ.

وَالْمَعْنَى: لَوْ تَرَى أَيُّهَا الرَّائِي لَرَأَيْتَ أَمْرًا عَظِيمًا.

والْمُجْرِمُونَ هُمُ الَّذِينَ قَالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [السَّجْدَة:

١٠] ، فَهُوَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِقَصْدِ التَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ مُجْرِمُونَ، أَيْ آتُونَ بِجُرْمٍ وَهُوَ جُرْمُ تَكْذِيبِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْطِيلِ الدَّلِيلِ.

وَالنَّاكِسُ: الَّذِي يَجْعَلُ أَعْلَى شَيْءٍ إِلَى أَسْفَلَ، يُقَالُ: نَكَّسَ رَأْسَهُ، إِذَا طَأْطَأَهُ لِأَنَّهُ كَمَنْ جَعَلَ أَعْلَى الشَّيْءِ إِلَى أَسْفَل. ونكس الرؤوس عَلَامَةُ الذُّلِّ وَالنَّدَامَةِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُلَاقُونَ مِنَ التَّقْرِيعِ وَالْإِهَانَةِ.

وَالْعِنْدِيَّةُ عِنْدِيَّةُ السُّلْطَةِ، أَيْ وَهُمْ فِي حُكْمِ رَبِّهِمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ مَحِيدًا عَنْهُ، فَشَبَّهَ ذَلِكَ بِالْكَوْنِ فِي مَكَانٍ مُخْتَصٍّ بِرَبِّهِمْ فِي أَنَّهُمْ لَا يُفْلِتُونَ مِنْهُ.

وَجُمْلَةُ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا إِلَى آخِرِهَا مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ هُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَي ناكسو رؤوسهم يَقُولُونَ أَوْ قَائِلِينَ: أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا، وَهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ نَدَامَةً وَإِقْرَارًا بِأَنَّ مَا تَوَعَّدَهُمُ الْقُرْآنُ بِهِ حَقٌّ.

وَحَذْفُ مَفْعُولِ أَبْصَرْنا وَمَفْعُولِ سَمِعْنا لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ، أَيْ أَبْصَرْنَا مِنَ الدَّلَائِلِ الْمُبْصَرَةِ مَا يُصَدِّقُ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ- فَقَدْ رَأَوُا الْبَعْثَ مِنَ الْقُبُورِ وَرَأَوْا مَا يُعَامَلُ بِهِ الْمُكَذِّبُونَ-، وَسَمِعْنَا مِنْ أَقْوَالِ الْمَلَائِكَةِ مَا فِيهِ تَصْدِيقُ الْوَعِيدِ الَّذِي تَوَعَّدَنَا