للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهِ، أَيْ: فَعَلِمْنَا أَنَّ مَا دَعَانَا إِلَيْهِ الرَّسُولُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي بِهِ النَّجَاةُ مِنَ الْعَذَابِ فَارْجِعْنَا إِلَى الدُّنْيَا نَعْمَلْ صَالِحًا كَمَا قَالُوا فِي مَوْطِنٍ آخَرَ رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ [إِبْرَاهِيم: ٤٤] .

وَقَوْلُهُ إِنَّا مُوقِنُونَ تَعْلِيلٌ لِتَحْقِيقِ الْوَعْدِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ بِأَنَّهُمْ صَارُوا مُوقِنِينَ بِحَقِيَّةِ مَا يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ فَكَانَتْ إِنَّ مُغَنِيَةً غَنَاءَ فَاءِ التَّفْرِيعِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ مَا يَمْنَعُنَا مِنْ تَحْقِيقِ مَا وُعِدْنَا بِهِ شَكٌ وَلَا تَكْذِيبٌ، إِنَّا أَيْقَنَّا الْآنَ أَنَّ مَا دُعِينَا إِلَيْهِ حَقٌّ. فَاسْمُ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ مُوقِنُونَ وَاقِعٌ زَمَانَ الْحَالِ كَمَا هُوَ أَصله.

[١٣]

[سُورَة السجده (٣٢) : آيَة ١٣]

وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣)

اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْقَوْلِ الْمُقَدَّرِ قَبْلَ قَوْلِهِ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا [السَّجْدَة: ١٢] وَبَيْنَ الْجَوَابِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ [السَّجْدَة: ١٤] فَالْوَاوُ الَّتِي فِي صَدْرِ الْجُمْلَةِ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ وَاوِ الْحَالِ.

وَمَفْعُولُ فِعْلِ الْمَشِيئَةِ مَحْذُوفٌ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ فِي فِعْلِ الْمَشِيئَةِ الْوَاقِعِ شَرْطًا اسْتِغْنَاءً عَنِ الْمَفْعُولِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ جَوَابُ الشَّرْطِ. وَالْمَعْنَى: لَوْ شِئْنَا لَجَبَلْنَا كُلَّ نَفْسٍ عَلَى الِانْسِيَاقِ إِلَى الْهُدَى بِدُونِ اخْتِيَارٍ كَمَا جُبِلَتِ الْعَجْمَاوَاتُ عَلَى مَا أُلْهِمَتْ إِلَيْهِ مِنْ نِظَامِ حَيَاةِ

أَنْوَاعِهَا فَلَكَانَتِ النُّفُوسُ غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ إِلَى النَّظَرِ فِي الْهُدَى وَضِدِّهِ، وَلَا إِلَى دَعْوَةٍ مِنَ اللَّهِ إِلَى طَرِيقِ الْهُدَى، وَلَكِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكِلَ إِلَى نَوْعِ الْإِنْسَانِ تَعْمِيرَ هَذَا الْعَالَمِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ عُنْوَانًا لِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَأَنْ يُفَضِّلَهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَجْنَاسِ الْعَامِرَةِ لِهَذَا الْعَالَمِ اقْتَضَى لِتَحْقِيقِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ أَنْ يَخْلُقَ فِي الْإِنْسَانِ عَقْلًا يُدْرِكُ بِهِ النَّفْعَ وَالضُّرَّ، وَالْكَمَالَ وَالنَّقْصَ، وَالصَّلَاحَ وَالْفَسَادَ، وَالتَّعْمِيرَ وَالتَّخْرِيبَ، وَتَنْكَشِفُ لَهُ بِالتَّدَبُّرِ عَوَاقِبُ الْأَعْمَالِ الْمُشْتَبِهَةِ وَالْمُمَوَّهَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُ اخْتِيَارُ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ أَجْنَاسِ وَأَنْوَاعِ الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ فِي مُكْنَتِهِ بِإِرَادَةٍ تَتَوَجَّهُ إِلَى الشَّيْءِ وَضِدِّهِ، وَخَلَقَ فِيهِ مِنْ أَسْبَابِ