للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْكَلَامِ الْمَعْطُوفِ هُوَ عَلَيْهِ خَبَرًا وَطَلَبًا، فَإِذَا كَانَ كَمَا هُنَا عَلَى طَرِيقِ الْعَرْضِ عُلِمَ إِمْضَاءُ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ إِيَّاهُ، بِإِقْرَارِهِ كَمَا فِي الْآيَةِ أَوِ التَّصْرِيحِ بِهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ «إِلَّا الْإِذْخِرَ» ، ثُمَّ هُوَ فِي الْإِنْشَاءِ إِذَا عُطِفَ مَعْمُولُ الْإِنْشَاءِ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْمَعْطُوفَ لَهُ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْعَطْفِ فِي الْإِنْشَاءِ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِالْإِنْشَاءِ لَزِمَ تَأْوِيلُ عَطْفِ التَّلْقِينِ فِيهِ بِأَنَّهُ عَلَى إِرَادَةِ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولٍ لَازِمِ الْإِنْشَاءِ فَفِي الْأَمْرِ إِذَا عَطَفَ الْمَأْمُورُ مَفْعُولًا عَلَى مَفْعُولِ الْآمِرِ كَانَ الْمَعْنَى زِدْنِي مِنَ الْأَمْرِ فَأَنَا بِصَدَدِ الِامْتِثَالِ وَكَذَا فِي الْمَنْهِيِّ. وَالْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ أَيْ وَبَعْضٌ مِنْ ذُرِّيَّتِي أَوْ وَجَاعِلُ بَعْضٍ مِنْ ذُرِّيَّتِي.

وَالذُّرِّيَّةُ نَسْلُ الرَّجُلِ وَمَا تَوَالَدَ مِنْهُ وَمِنْ أَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ إِمَّا مِنَ الذَّرِّ اسْمًا وَهُوَ صِغَارُ النَّمْلِ، وَإِمَّا مِنَ الذَّرِّ مَصْدَرًا بِمَعْنَى التَّفْرِيقِ، وَإِمَّا مِنَ الذُّرَى وَالذَّرْوِ (بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ) وَهُوَ مَصْدَرُ ذَرَتِ الرِّيحُ إِذَا سَفَتْ، وَإِمَّا مِنَ الذَّرْءِ بِالْهَمْزِ وَهُوَ الْخَلْقُ، فَوَزْنُهَا إِمَّا فُعْلِيَّةُ بِوَزْنِ النَّسَبِ إِلَى ذَرٍّ وَضَمِّ الذَّالِ فِي النَّسَبِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَمَا قَالُوا فِي النَّسَبِ إِلَى دَهْرٍ دُهْرِيٍّ بِضَمِّ الدَّالِّ، وَإِمَّا فُعِّيلَةٌ أَوْ فُعُّولَةٌ مِنَ الذُّرَى أَوِ الذَّرْوِ أَوِ الذَّرْءِ بِإِدْغَامِ الْيَائَيْنِ أَوِ الْيَاءِ مَعَ الْوَاوِ أَوِ الْيَاءِ مَعَ الْهَمْزَةِ بَعْدَ قَلْبِهَا يَاءً وَكُلُّ هَذَا تَصْرِيفٌ لِاشْتِقَاقِ الْوَاضِعِ فَلَيْسَ قِيَاسَ التَّصْرِيفِ.

وَإِنَّمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي وَلَمْ يَقُلْ وَذُرِّيَّتِي لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ حِكْمَةَ اللَّهِ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لَمْ تَجْرِ بِأَنْ يَكُونَ جَمِيعَ نَسْلِ أَحَدٍ مِمَّنْ يَصْلُحُونَ لِأَنْ يُقْتَدَى بِهِمْ فَلَمْ يَسْأَلْ مَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً لِأَنَّ سُؤَالَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ.

وَإِنَّمَا سَأَلَ لِذَرِّيَّتِهِ وَلَمْ يَقْصُرِ السُّؤَالَ عَلَى عَقِبِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي عَصَبِيَّةِ الْقَائِلِ

لِأَبْنَاءِ دِينِهِ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي تَفَاوُتًا فَيَرَى أَبْنَاءَ الِابْنِ وَأَبْنَاءَ الْبِنْتِ فِي الْقُرْبِ مِنَ الْجِدِّ بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فِي حُكْمِ الْقَرَابَةِ، وَأَمَّا مَبْنَى الْقَبَلِيَّةِ فَعَلَى اعْتِبَارَاتٍ عُرْفِيَّةٍ تَرْجِعُ إِلَى النُّصْرَةِ وَالِاعْتِزَازِ فَأَمَّا قَوْلُ:

بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ

فَوَهْمٌ جَاهِلِيٌّ، وَإِلَّا فَإِنَّ بَنِي الْأَبْنَاءِ أَيْضًا بَنُوهُمْ أَبْنَاءُ النِّسَاءِ الْأَبَاعِدِ، وَهَلْ يَتَكَوَّنُ نَسْلٌ إِلَّا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ. وَكَذَا قَوْلُ: