للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحِجَابَ، فَعَلِمُوا أَنَّهَا إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَيُشْتَرَطُ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْأُمُومَةِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنَى بِالْمَرْأَةِ، فَأَمَّا الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ مِثْلَ الْجَوْنِيَّةِ وَهِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَان الكندية فَلَا تعْتَبر من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ.

وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ عَقَدَ عَلَيْهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَهَمَّ عُمَرُ بِرَجْمِهَا. فَقَالَتْ: لِمَ وَمَا ضَرَبَ عَلَيَّ النَّبِيءُ حِجَابًا وَلَا دُعِيتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَكَفَّ عَنْهَا.

وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ ابْنَةُ الْجَوْنِ الْكِنْدِيَّةُ تَزَوَّجَهَا الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ. وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَصَحَّحَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. وَعَنْ مُقَاتِلٍ: يَحْرُمُ تَزَوُّجُ كُلِّ امْرَأَةٍ عَقَدَ عَلَيْهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لَمْ يَبْنِ بِهَا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي «الرَّوْضَةِ» ، واللاَّءِ طَلَّقَهُنَّ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِهِنَّ فَاخْتُلِفَ فِيهِنَّ عَلَى قَوْلَيْنِ، قِيلَ: تَثْبُتُ حُرْمَةُ التَّزَوُّجِ بِهِنَّ حِفْظًا لِحُرْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ لَهُنَّ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ. وَقَدْ أُكِّدَ حُكْمُ أُمُومَةِ أَزْوَاجِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الْأَحْزَاب: ٥٣] ، وَبِتَحْرِيمِ تَزَوُّجِ إِحْدَاهُنَّ عَلَى الْمُؤمنِينَ بقوله [تَعَالَى] : وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [الْأَحْزَاب: ٥٣] . وَسَيَجِيءُ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي أَوَاخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ.

وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ بَعْدَهَا: وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ: كَانَ فِي الْحَرْفِ الأول «وَهُوَ أبوهم» .

وَمَحْمَلُهَا أَنَّهَا تَفْسِيرٌ وَإِيضَاحٌ وَإِلَّا فَقَدْ أَفَادَ قَوْلُهُ تَعَالَى: النَّبِيءُ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ مفَاد هَذِه الْقُرَّاء.

وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً.

أَعْقَبَ نَسْخَ أَحْكَامِ التَّبَنِّي الَّتِي مِنْهَا مِيرَاثُ الْمُتَبَنِّي مَنْ تَبَنَّاهُ وَالْعَكْسُ بِإِبْطَالِ