للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُسْلُوبِ مَا يُسَمَّى بِالتَّجْرِيدِ الْمُفِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ إِذْ يُجَرَّدُ مِنَ الْمَوْصُوفِ بِصِفَةِ مَوْصُوفٍ مِثْلِهِ لِيَكُونَ كَذَاتَيْنِ، كَقَوْلِ أَبِي خَالِدٍ الْخَارِجِي:

وَفِي الرحمان لِلضُّعَفَاءِ كَاف أَي الرحمان كَافِ. فَالْأَصْلُ: رَسُولُ اللَّهِ إِسْوَةٌ، فَقِيلَ: فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ. وَجُعِلَ مُتَعَلِّقُ الِائْتِسَاءِ ذَاتَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ وَصْفٍ خَاصٍّ لِيَشْمَلَ الِائْتِسَاءَ بِهِ فِي أَقْوَالِهِ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ مَا يُنْهَى عَنْهُ، وَالِائْتِسَاءَ بِأَفْعَالِهِ مِنَ الصَّبْرِ وَالشَّجَاعَةِ وَالثَّبَاتِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أُسْوَةٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهُمَا لُغَتَانِ.

ولِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي لَكُمْ بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ أَوْ شِبْهَ الِاشْتِمَالِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِضَمِيرِ لَكُمْ يَشْتَمِلُونَ عَلَى مَنْ يَرْجُونَ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، أَوْ هُوَ بَدَلٌ مُطَابِقٌ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِضَمِيرِ لَكُمْ خُصُوصُ الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي إِعَادَةِ اللَّامِ فِي الْبَدَلِ تَكْثِيرٌ لِلْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ بِكَثْرَةِ الِاحْتِمَالَاتِ وَكُلٌّ يَأْخُذُ حَظَّهُ مِنْهَا.

فَالَّذِينَ ائْتَسَوْا بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ ثَبَتَ لَهُمْ أَنَّهُمْ مِمَّنْ يَرْجُونَ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِفَرِيقٍ مِنَ الَّذِينَ صَدَّهُمْ عَنِ الِائْتِسَاءِ بِهِ مِمَّنْ كَانُوا مُنَافِقِينَ أَوْ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مِنَ الشَّكِّ فِي الدِّينِ.

وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى فَضْلِ الِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ الْإِسْوَةُ الْحَسَنَةُ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهَا تَفْصِيلٌ وَتَحْدِيدٌ لِمَرَاتِبِ الِائْتِسَاءِ وَالْوَاجِبِ مِنْهُ وَالْمُسْتَحَبِّ وَتَفْصِيلُهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَاصْطِلَاحُ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى جَعْلِ التَّأَسِّي لَقَبًا لِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ فِي أَعْمَالِهِ الَّتِي لَمْ يُطَالِبْ بِهَا الْأُمَّةَ عَلَى وَجْهِ التَّشْرِيعِ. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ حَسَّانَ الْهَجَرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قَالَ: فِي جُوعِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ