للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي التَّعْبِيرِ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ دَلَالَةٌ عَلَى تَجَدُّدِ الْإِرَادَةِ وَاسْتِمْرَارِهَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا قَدَّرَهُ إِذْ لَا رَادَّ لِإِرَادَتِهِ.

وَالْمَعْنَى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لَكُنَّ مِمَّا أَمَرَكُنَّ وَنَهَاكُنَّ إِلَّا عِصْمَتَكُنَّ مِنَ النَّقَائِصِ وتَحْلِيَتَكُنَّ بِالْكَمَالَاتِ وَدَوَامَ ذَلِكَ، أَيْ لَا يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ مَقْتًا لَكُنَّ وَلَا نِكَايَةً. فَالْقَصْرُ قَصْرُ قَلْبٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] . وَهَذَا وَجْهُ مَجِيءِ صِيغَة الْقصر ب إِنَّما. وَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ عَصَمَ أَزْوَاجَ نَبِيئِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ وَزَكَّى نُفُوسَهُنَّ.

وأَهْلَ الْبَيْتِ: أَزوَاج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْخِطَابُ مُوَجَّهٌ إِلَيْهِنَّ وَكَذَلِكَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ لَا يُخَالِطُ أَحَدًا شَكٌّ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَفْهَمْ مِنْهَا أَصْحَاب النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعون إِلَّا أَن أَزوَاج النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُنَّ الْمُرَادُ بِذَلِكَ وَأَنَّ النُّزُولَ فِي شَأْنِهِنَّ.

وَأَمَّا مَا

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُمَرَ بن أبي سملة قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيءِ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ دَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا»

. وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَلَمْ يُسَمِّهِ التِّرْمِذِيُّ بِصِحَّةٍ وَلَا حُسْنٍ، وَوَسَمَهُ بِالْغَرَابَةِ.

وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ عَائِشَةَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ فَجَاءَ الْحَسَنُ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. وَهَذَا أَصْرَحُ مِنْ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ.

فمحمله أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْحَقَ أَهْلَ الْكِسَاءِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ وَجَعَلَهُمْ أَهْلَ بَيْتِهِ كَمَا أَلْحَقَ الْمَدِينَةَ بِمَكَّةَ فِي حُكْمِ الْحَرَمِيَّةِ

بِقَوْلِهِ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا»

. وَتَأَوُّلُ الْبَيْتِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ يَصْدُقُ بِبَيْتِ النَّسَبِ كَمَا يَقُولُونَ:

فِيهِمُ الْبَيْتُ وَالْعَدَدُ، وَيَكُونُ هَذَا مِنْ حَمْلِ الْقُرْآنِ عَلَى جَمِيعِ مَحَامِلِهِ غَيْرِ الْمُتَعَارِضَةِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ. وَكَأَنَّ حِكْمَةَ