للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَاحِبِهَا إِلَّا التَّوْبَةُ، إِلَّا أَنْ يَضُمَّ إِلَى كَلَامِهِ ضَمِيمَةً وَهِيَ حَمْلُ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ والذَّاكِراتِ عَلَى مَعْنَى الْمُتَّصِفِينَ بِالذِّكْرِ اللِّسَانِيِّ وَالْقَلْبِيِّ، فَيَكُونَ الذِّكْرُ الْقَلْبِيُّ شَامِلًا لِلتَّوْبَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمرَان: ١٣٥] فَيَكُونُ الَّذِينَ جَمَعُوا هَذِهِ الْخِصَالَ الْعَشْرَ قَدْ حَصَلَتْ لَهُمُ التَّوْبَةُ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا الِاعْتِذَارَ عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ لَا يَتَجَاوَزُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مِثْلُهَا يَضِيقُ عَنْهَا نِطَاقُ هَذَا الِاعْتِذَارِ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً إِلَى قَوْلِهِ: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا الْآيَةَ فِي سُورَة الْفرْقَان [٦٣- ٧٥] .

[٣٦]

[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٣٦]

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦)

مُعْظَمُ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ خِطْبَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى فَتَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ فَاسْتَنْكَفَتْ وَأَبَتْ وَأَبَى أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ الْآيَةَ، فَتَابَعَتْهُ وَرَضِيَتْ لِأَنَّ تَزْوِيجَ زَيْنَبَ بِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ وَيَكُونُ مَوْقِعُهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ الَّتِي هِيَ مَدَنِيَّةٌ إِلْحَاقًا لَهَا بِهَا لِمُنَاسِبَةِ أَنْ تَكُونَ مُقَدِّمَةً لِذِكْرِ تَزَوُّجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ وَقْعَةِ الْأَحْزَابِ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ فَقَدَّرَ لَهُ الْأَحْوَالَ الَّتِي حَصَلَتْ مِنْ بَعْدُ.

وَوُجُودُ وَاوِ الْعَطْفِ فِي أَوَّلِ الْجُمْلَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى كَلَامٍ نَزَلَ قَبْلَهَا مِنْ

سُورَةٍ أُخْرَى لَمْ نَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِ وَلَا تَعْيِينِ السُّورَةِ الَّتِي كَانَتِ الْآيَةُ فِيهَا، وَهُوَ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا.

وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بَنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرْنَ مِنَ النِّسَاءِ وَأَنَّهَا وهبت نَفسهَا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، بَعْدَ أَنْ طَلَّقَ زَيْدٌ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا،