للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانَ حُضُورُ فُلَانٍ أَيْ حَصَلَ وَعَلِمْتُ مَجِيءَ صَاحِبِكَ وَظَنَنْتُ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَقَدْ رُوِيَ قَوْلُ الْفِنْدِ الزِّمَّانِيِّ:

عَسَى أَنْ يُرْجِعَ الْأَيَّا ... مُ قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا

وَقَالَ حَطَائِطُ بْنُ يَعْفُرَ:

أَرِينِي جَوَادًا مَاتَ هُزْلًا لَعَلَّنِي ... أَرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلَّدَا

فَإِنَّ جُمْلَةَ مَاتَ هُزْلًا لَيْسَتْ خَبَرًا عَنْ جَوَادًا إِذِ الْمُبْتَدَأُ لَا يَكُونُ نَكِرَةً، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُعَدَّ الْخَبَرُ فِي بَابِ كَانَ وَالْمَفْعُولِ الثَّانِي فِي بَابِ ظَنَّ أَحْوَالًا لَازِمَةً لِتَمَامِ الْفَائِدَةِ وَأَنَّ إِطْلَاقَ اسْمِ الْخَبَرِ أَوِ الْمَفْعُولِ عَلَى ذَلِكَ الْمَنْصُوبِ تَسَامُحٌ وَعِبَارَةٌ قَدِيمَةٌ.

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ وَأَرِنا بِسُكُونِ الرَّاءِ لِلتَّخْفِيفِ وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو بِاخْتِلَاسِ كَسْرَةِ الرَّاءِ تَخْفِيفًا أَيْضًا، وَجُمْلَةُ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ تَعْلِيلٌ لِجُمَلِ الدُّعَاءِ.

وَالْمَنَاسِكُ جَمْعُ مَنْسَكٍ وَهُوَ اسْمُ مَكَانٍ مِنْ نَسَكَ نَسْكًا مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ تَعَبَّدَ أَوْ مِنْ نَسُكَ بِضَمِّ السِّينِ نَسَاكَةً بِمَعْنَى ذَبَحَ تَقَرُّبًا، وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحِقُّ طَلَبُ التَّوْفِيقِ لَهُ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ [الْبَقَرَة: ٢٠٠] .

[١٢٩]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٢٩]

رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)

كُرِّرَ النِّدَاءُ لِأَنَّهُ عَطْفُ غَرَضٍ آخَرَ فِي هَذَا الدُّعَاءِ وَهُوَ غَرَضُ الدُّعَاءِ بِمَجِيءِ الرِّسَالَةِ فِي ذُرِّيَّتِهِ لِتَشْرِيفِهِمْ وَحِرْصًا عَلَى تَمَامِ هَدْيِهِمْ.

وَإِنَّمَا قَالَ: فِيهِمْ وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ لِتَكُونَ الدَّعْوَةُ بِمَجِيءِ رَسُولٍ بِرِسَالَةٍ عَامَّةٍ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الرَّسُولُ رَسُولًا إِلَيْهِمْ فَقَطْ، وَلِذَلِكَ حَذَفَ مُتَعَلِّقَ رَسُولًا لِيَعُمَّ، فَالنِّدَاءُ فِي قَوْلِهِ: رَبَّنا وَابْعَثْ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمَلِ الدَّعَوَاتِ الْمُتَعَاطِفَةِ، وَمَظْهَرُ هَذِهِ الدَّعْوَةِ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ الرَّسُولُ الَّذِي هُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ كِلَيْهِمَا، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ رُسُلِ غَيْرِ الْعَرَبِ فَلَيْسُوا مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ، وَشُعَيْبٌ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ، وَهُودٌ وَصَالِحٌ هُمَا مِنَ الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ فَلَيْسَا مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَلَا مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ.