للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَقًّا رَاجِعًا إِلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بِالتَّخَلُّقِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اللَّائِقَةِ بِأَمْثَالِهِمْ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.

وَهَذَا الْمَعْنَى فَهِمَتْهُ أُمُّ سليم وأقرها النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَهْمِهَا، فَقَدْ جَاءَ

فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سليم إِلَى النبيء فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ»

. فَهِيَ لَمْ تَسْتَحِ فِي السُّؤَالِ عَنِ الْحَقِّ الْمُتَعَلّق بهَا، والنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَحِ فِي

إِخْبَارِهَا بِذَلِكَ. وَلَعَلَّهَا لَمْ تَجِدْ مَنْ يَسْأَلُ لَهَا أَوْ لَمْ تَرَ لِزَامًا أَنْ تَسْتَنِيبَ عَنْهَا مَنْ يَسْأَلُ لَهَا عَنْ حُكْمٍ يَخُصُّ ذَاتَهَا. وَقَدْ رَأَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْجَمْعَ بَيْنَ طَلَبِ الْحَقِّ وَبَيْنَ الِاسْتِحْيَاءِ،

فَفِي «الْمُوَطَّأِ» عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا مَنْ أَهْلِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَنَا أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَهُ»

الْحَدِيثَ.

عَلَى أَنَّ بَيْنَ قَضِيَّةِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَقَضِيَّةِ عَلِيٍّ تَفَاوُتًا مِنْ جِهَاتٍ فِي مُقْتَضَى الِاسْتِحْيَاءِ لَا تَخْفَى عَلَى الْمُتَبَصِّرِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ فِي وُرُودِ يُؤْذِي هُنَا مَا يُبْطِلُ الْمِثَالَ الَّذِي أُورَدَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كِتَابِ «الْمَثَلِ السَّائِرِ» شَاهِدًا عَلَى أَنَّ الْكَلِمَةَ قَدْ تَرُوقُ السَّامِعَ فِي كَلَامٍ ثُمَّ تَكُونُ هِيَ بِعَيْنِهَا مَكْرُوهَةً لِلسَّامِعِ. وَجَاءَ بِكَلِمَةِ يُؤْذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَنَظِيرُهَا (تُؤْذِي) فِي قَوْلِ الْمُتَنَبِّي:

تلذ لَهُ الْمُرُوءَة وَهِيَ تُوذِي وَزَعَمَ أَنَّ وَجُودَهَا فِي الْبَيْتِ يَحُطُّ مِنْ قَدْرِ الْمَعْنَى الشَّرِيفِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْبَيْتُ وَأَحَالَ فِي الْجَزْمِ بِذَلِكَ عَلَى الطَّبْعِ السَّلِيمِ، وَلَا أَحْسَبُ هَذَا الْحُكْمَ إِلَّا غَضَبًا مِنِ ابْنِ الْأَثِيرِ لَا تُسَوِّغُهُ صِنَاعَةٌ وَلَا يَشْهَدُ بِهِ ذَوْقٌ، وَلَقَدْ صَرَفَ أَيِمَّةُ الْأَدَبِ هَمَّهُمْ إِلَى بَحْثِ شِعْرِ الْمُتَنَبِّي وَنَقْدِهِ فَلَمْ يَعُدَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا مُنْتَقَدًا، مَعَ اعْتِرَافِ ابْنِ الْأَثِيرِ بِأَنَّ مَعْنَى الْبَيْتِ شَرِيفٌ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ كَرَاهَةَ هَذَا اللَّفْظِ فِيهِ رَاجِعَةٌ إِلَى أَمْرٍ لَفْظِيٍّ مِنَ الْفَصَاحَةِ، وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ مِنَ الْإِخْلَالِ بِالْفَصَاحَةِ