للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْحِجَابُ: السِّتْرُ الْمُرَخَى عَلَى بَابِ الْبَيْتِ.

وَكَانَتِ السُّتُورُ مُرَخَاةً عَلَى أَبْوَاب بيُوت النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّارِعَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ. وَقَدْ وَرَدَ مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْوَفَاةِ حِين خرج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ ثُمَّ أَرْخَى السِّتْرَ.

ومِنْ وَراءِ حِجابٍ مُتَعَلق ب فَسْئَلُوهُنَّ فَهُوَ قَيْدٌ فِي السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ الْمُتَعَلِّقِ ضَمِيرَاهُمَا بِالْفِعْلِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْمَجْرُورُ. ومِنَ ابْتِدَائِيَّةٌ. وَالْوَرَاءُ: مَكَانُ الْخَلْفِ وَهُوَ مَكَانٌ نِسْبِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْمُتَّجِهِ إِلَى جِهَةٍ، فَوَرَاءَ الْحِجَابِ بِالنِّسْبَةِ للمتجهين إِلَيْهِ فالمسؤولة مُسْتَقْبِلَةٌ حِجَابَهَا وَالسَّائِلُ مِنْ وَرَاء حجابها وَبِالْعَكْسِ.

وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكُمْ إِلَى الْمَذْكُورِ، أَيِ السُّؤَالُ الْمُقَيَّدُ بِكَوْنِهِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.

وَاسْمُ التَّفْضِيلِ فِي قَوْلِهِ: أَطْهَرُ مُسْتَعْمَلٌ لِلزِّيَادَةِ دُونَ التَّفْضِيلِ.

وَالْمَعْنَى: ذَلِكَ أَقْوَى طَهَارَةً لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ فَإِنَّ قُلُوبَ الْفَرِيقَيْنِ طَاهِرَةٌ بِالتَّقْوَى وَتَعْظِيمِ حُرُمَاتِ الله وَحُرْمَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتِ التَّقْوَى لَا تَصِلُ بِهِمْ إِلَى دَرَجَةِ الْعِصْمَةِ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَزِيدَهُمْ مِنْهَا بِمَا يُكْسِبُ الْمُؤْمِنِينَ مَرَاتِبَ مِنَ الْحِفْظِ الْإِلَهِيِّ مِنَ الْخَوَاطِرِ الشَّيْطَانِيَّةِ بِقَطْعِ أَضْعَفِ أَسْبَابِهَا وَمَا يُقَرِّبُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مَرْتَبَةِ الْعِصْمَةِ الثَّابِتَةِ لِزَوْجِهِنَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الطَّيِّبَاتِ لِلطَّيِّبِينَ بِقَطْعِ الخواطر الشيطانية عَنْهُن بِقَطْعِ دَابِرِهَا وَلَوْ بِالْفَرْضِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ لِلنَّاسِ أَوْهَامًا وَظُنُونًا سُوأَى تَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُ نُفُوسِ النَّاسِ فِيهَا صرامة ووهنا، ونفاقا وَضَعْفًا، كَمَا وَقَعَ فِي قَضِيَّةِ الْإِفْكِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي سُورَةِ النُّورِ فَكَانَ شَرْعُ حِجَابِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَاطِعًا لِكُلِّ تَقول وإرجاف بعمد أَوْ بِغَيْرِ عَمْدٍ.

وَوَرَاءَ هَذِهِ الْحِكَمِ كُلِّهَا حِكْمَةٌ أُخْرَى سَامِيَةٌ وَهِيَ زِيَادَة تَقْرِير معنى أُمُومَتِهِنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي هِيَ أُمُومَةٌ جَعْلِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِحَيْثُ إِنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْجَعْلِيَّ الرُّوحِيَّ وَهُوَ كَوْنُهُنَّ أُمَّهُاتِ يَرْتَدُّ وَيَنْعَكِسُ إِلَى بَاطِنِ النَّفْسِ وَتَنْقَطِعُ عَنْهُ الصُّوَرُ الذَّاتِيَّةُ وَهَيَ كُونُهُنَّ فُلَانَةً أَوْ فُلَانَةً فَيُصْبِحْنَ غَيْرَ مُتَصَوِّرَاتٍ إِلَّا بِعُنْوَانِ الْأُمُومَةِ فَلَا يَزَالُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الرُّوحِيُّ يُنْمِي فِي النُّفُوسِ، وَلَا تزَال الصُّور الْحِسِّيَّةُ