للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْهَا، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ التَّمَكُّنَ مِنْ تَصْرِيفِهَا، فَفِي التَّتْمِيمِ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْجُمْلَةِ قَبْلَهُ اسْتِحْمَاقُ الَّذِينَ أَقبلُوا فِي شؤونهم عَلَى آلِهَة بَاطِلَة.

[٢]

[سُورَة سبإ (٣٤) : آيَة ٢]

يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢)

بَيَانٌ لِجُمْلَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [سبأ: ١] لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَا ذَكَرَ هُنَا هُوَ الْعِلْمُ بِذَوَاتِهَا

وَخَصَائِصِهَا وَأَسْبَابِهَا وَعِلَلِهَا وَذَلِكَ عَيْنُ الْحِكْمَةِ وَالْخِبْرَةِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ يَقْتَضِي الْعَمَلَ، وَإِتْقَانُ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ.

وَخَصَّ بِالذِّكْرِ فِي مُتَعَلِّقِ الْعِلْمِ مَا يَلِجُ وَمَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ دُونَ مَا يَدِبُّ عَلَى سَطْحِهَا، وَمَا يَنْزِلُ وَمَا يَعْرُجُ إِلَى السَّمَاءِ دُونَ مَا يَجُولُ فِي أَرْجَائِهَا لِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَخْلُو عَنْ أَنْ يَكُونَ دَابًّا وَجَائِلًا فِيهِمَا، وَالَّذِي يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا يَعْلَمُ مَا يَدِبُّ عَلَيْهَا وَمَا يَزْحَفُ فَوْقَهَا، وَالَّذِي يَعْلَمُ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ يَعْلَمُ مَا فِي الْأَجْوَاءِ وَالْفَضَاءِ مِنَ الْكَائِنَاتِ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَيَعْلَمُ سَيْرَ الْكَوَاكِبِ وَنِظَامَهَا.

وَالْوُلُوجُ: الدُّخُولُ وَالسُّلُوكُ مثل ولوج مَاء الْمَطَرِ فِي أَعْمَاقِ الْأَرْضِ وَوُلُوجِ الزَّرِيعَةِ.

وَالَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ، النَّبَاتُ وَالْمَعَادِنُ وَالدَّوَابُّ الْمُسْتَكِنَّةُ فِي بُيُوتِهَا وَمَغَارَاتِهَا، وَشَمِلَ ذَلِكَ مَنْ يُقْبَرُونَ فِي الْأَرْضِ وَأَحْوَالَهُمْ. وَالَّذِي يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ: الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ وَالرِّيَاحُ، وَالَّذِي يَعْرُجُ فِيهَا مَا يَتَصَاعَدُ فِي طَبَقَاتِ الْجَوِّ مِنَ الرُّطُوبَاتِ الْبَحَرِيَّةِ وَمِنَ الْعَوَاصِفِ التُّرَابِيَّةِ، وَمِنَ الْعَنَاصِرِ الَّتِي تَتَبَخَّرُ فِي الطَّبَقَاتِ الْجَوِّيَّةِ فَوْقَ الْأَرْضِ، وَمَا يَسْبَحُ فِي الْفَضَاءِ وَمَا يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ، وَعُرُوجِ الْأَرْوَاحِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الْأَجْسَادِ قَالَ تَعَالَى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج: ٤] .

وَاعْلَمْ أَنَّ كَلِمَتَيْ يَلِجُ ويَخْرُجُ أَوْضَحُ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ أَحْوَالِ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْأَرْضِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اتِّصَالِهَا بِالْأَرْضِ، وَأَنَّ كَلِمَتَيْ يَنْزِلُ ويَعْرُجُ أَوْضَحُ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ أَحْوَالِ الْمَوْجُودَاتِ السَّمَاوِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اتِّصَالِهَا بِالسَّمَاءِ، مِنْ كَلِمَاتِ اللُّغَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمَعَانِي الْمَوْضُوعَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهَا دَلَالَةً مُطَابِقِيَّةً عَلَى