للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقُدْسِ يَأْذَنُ اللَّهُ بِهِ نَاسًا مِنَ الْأَخْيَارِ بِأَنْ يَشْفَعُوا كَمَا جَاءَ تَفْصِيلُ بَعْضِ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَنَّ الَّذِينَ يَرْجُونَ أَنْ يُشَفَّعَ فِيهِمْ يَنْتَظِرُونَ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِأَنْ يَشْفَعَ وَهُمْ فِي فَزَعٍ مِنَ الْإِشْفَاقِ أَنْ لَا يُؤْذَنَ بِالشَّفَاعَةِ فِيهِمْ، فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَشْفَعَ زَالَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَاسْتَبْشَرُوا إِذْ أَنَّهُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِ الَّذِينَ قُبِلَتِ الشَّفَاعَةُ فِيهِمْ، أَي وأيس المحرومون مِنْ قَبُولِ الشَّفَاعَةِ فِيهِمْ. وَهَذَا مِنَ الْحَذْفِ الْمُسَمَّى بِالِاكْتِفَاءِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الشَّيْءِ عَنْ ذِكْرِ نَظِيرِهِ أَوْ ضِدِّهِ، وَحُسْنُهُ هُنَا أَنَّهُ اقْتِصَارٌ عَلَى مَا يَسُرُّ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ.

وَقَدْ طُوِيَتْ جُمَلٌ مِنْ وَرَاءِ حَتَّى، وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ وَيَوْمَئِذٍ يَبْقَى النَّاسُ مُرْتَقِبِينَ الْإِذْنَ لِمَنْ يَشْفَعُ، فَزِعِينَ مِنْ أَنْ لَا يُؤْذَنَ لِأَحَدٍ زَمَنًا يَنْتَهِي بِوَقْتِ زَوَالِ الْفَزَعِ عَنْ قُلُوبِهِمْ حِينَ يُؤْذَنُ لِلشَّافِعِينَ بِأَنْ يَشْفَعُوا، وَهُوَ إِيجَازُ حَذْفٍ.

وإِذا ظَرْفٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ مُضَافٌ إِلَى جُمْلَةِ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ومتعلق ب قالُوا.

وفُزِّعَ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ مُشَدَّدَةً، وَهُوَ مُضَاعَفُ فُزِعَ.

وَالتَّضْعِيفُ فِيهِ لِلْإِزَالَةِ مِثْلَ: قُشِّرَ الْعُودُ، وَمَرِضَ الْمَرِيضُ إِذَا بَاشَرَ عِلَاجَهُ، وَبُنِيَ لِلْمَجْهُولِ لِتَعْظِيمِ ذَلِكَ التَّفْزِيعِ بِأَنَّهُ صَادِرٌ مِنْ جَانِبٍ عَظِيمٍ، فَفِيهِ جَانِبُ الْآذِنِ فِيهِ، وَجَانِبُ الْمُبَلِّغِ لَهُ وَهُوَ الْمَلَكُ.

وَالتَّفْزِيعُ يَحْصُلُ لَهُمْ بِانْكِشَافٍ إِجْمَالِيٍّ يُلْهَمُونَهُ فَيَعْلَمُونَ بِأَنَّ اللَّهَ أَذِنَ بِالشَّفَاعَةِ ثُمَّ يَتَطَلَّبُونَ التَّفْصِيلَ بِقَوْلِهِمْ: مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ لِيَعْلَمُوا مَنْ أَذِنَ لَهُ مِمَّنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَهَذَا كَمَا يُكَرِّرُ النَّظَرَ وَيُعَاوِدُ الْمُطَالَعَةَ مَنْ يَنْتَظِرُ الْقَبُولَ، أَوْ هُمْ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْخَشْيَةِ فَإِنَّهُمْ إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ تساءلوا لمزيد التحقق بِمَا اسْتَبْشَرُوا بِهِ فَيُجَابُونَ أَنَّهُ قَالَ الْحَقَّ.

فَضَمِيرُ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ عَائِدٌ عَلَى بَعْضِ مَدْلُولِ قَوْلِهِ: لِمَنْ أَذِنَ لَهُ. وَهُمُ الَّذِينَ أذن للشفعاء بِقبُول شَفَاعَتِهِمْ مِنْهُمْ وَهُمْ يُوَجِّهُونَ هَذَا الِاسْتِفْهَامَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الْحَافِّينَ، وَضَمِيرُ قالُوا الْحَقَّ عَائِدٌ إِلَى الْمَسْئُولِينَ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ.

وَيَظْهَرُ أَنَّ كَلِمَةَ الْحَقَّ وَقَعَتْ حِكَايَةً لِمَقُولِ اللَّهِ بِوَصْفٍ يَجْمَعُ مُتَنَوَّعَ