للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَصَصِ الْأَوَّلِينَ. وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ بُهْتَانِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَقُولُونَ: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الْأَنْعَام: ٢٥] فَلَيْسَ مُفْتَرىً تَأْكِيدًا لِ إِفْكٌ.

ثُمَّ حُكِيَ تَكْذِيبُهُمُ الَّذِي يَعُمُّ جَمِيعَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَحْيٍ يُتْلَى أَوْ دَعْوَةٍ إِلَى التَّوْحِيدِ وَغَيْرِهِ أَوِ اسْتِدْلَالٍ عَلَيْهِ أَوْ مُعْجِزَةٍ بِقَوْلِهِمْ: إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ، فَهَذَا الْمَقَالُ الثَّالِثُ يَشْمَلُ مَا تَقَدَّمَ وَغَيْرَهُ، فَحِكَايَةُ مَقَالِهِمْ هَذَا تَقُومُ مَقَامَ التَّذْيِيلِ. وَأُظْهِرَ لِلْقَائِلِينَ دُونَ إِضْمَارِ مَا تَقَدَّمَ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعَادًا لِلضَّمِيرِ فَقِيلَ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ وَلَمْ يَقُلْ: وَقَالُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ هُوَ بَاعِثُ قَوْلِهِمْ هَذَا.

وَأُظْهِرَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ، أَي إِذْ ظهر لَهُمْ مَا هُوَ حَقٌّ مِنْ إِثْبَاتٍ لِلتَّوْحِيدِ أَوْ إِخْبَارٍ عَنِ الْغَيْبِ أَوِ الْبَعْثِ قَالُوا: مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ. فَالْمُرَادُ مِنَ الْحَقِّ: مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ السِّحْرَ لَهُ أُسْلُوبَانِ: أَحَدُهُمَا شَعْوَذَةُ الْأَقْوَالِ الَّتِي لَا تُفْهَمُ مَدْلُولَاتُهَا يَخْتَلِقُهَا السَّحَرَةُ لِيُوهِمُوا النَّاسَ أَنَّ فِيهَا مُنَاجَاةً مَعَ الْجِنِّ لِيُمَكِّنُوهُمْ مِنْ عَمَلِ مَا يُرِيدُونَ فَيَسْتَرْهِبُوهُمْ بِذَلِكَ، وَثَانِيهِمَا أَفْعَالٌ لَهَا أَسْبَابٌ خَفِيَّةٌ مَسْتُورَةٌ بِحِيَلِ وَخِفَّةِ أَيْدٍ تُحَرِّكُهَا فَيُوهِمُونَ بِهَا النَّاسَ أَنَّهَا مِنْ تَمْكِينِ الْجِنِّ إِيَّاهُمُ التَّصَرُّفَ فِي الْخَفِيَّاتِ، فَإِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ أَلْحَقُوهُ بِالْأُسْلُوبِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا رَأَوُا الْمُعْجِزَاتِ أَلْحَقُوهَا بِالْأُسْلُوبِ الثَّانِي كَمَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي شَاهَدَتْ مُعْجِزَةَ تَكْثِيرِ الْمَاءِ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لِقَوْمِهَا «أَتَيْتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوَ هُوَ نَبِيءٌ كَمَا زَعَمُوهُ» .

وَمَعْنَى مُبِينٌ أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ سِحْرٌ فَتَبْيِينُهُ كُنْهُهُ مِنْ نَفْسِهِ، يَعْنُونَ أَنَّ مَنْ سَمِعَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ سِحْرٌ.

وَجُمْلَةُ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَإِذا تُتْلى.

[٤٤]

[سُورَة سبإ (٣٤) : آيَة ٤٤]

وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤)

الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: قالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ [سبأ: ٤٣] الْآيَةَ،