للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأُدْمِجَ فِي ذَلِكَ دَلِيلُ التَّنْبِيهِ عَلَى إِحَاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ بِالْكَائِنَاتِ الْخَفِيَّةِ وَالظَّاهِرَةِ، وَلِكَوْنِ الْعِلْمِ بِالْخَفِيَّاتِ أَعْلَى قُدِّمَ ذِكْرُ الْحَمْلِ عَلَى ذِكْرِ الْوَضْعِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ عَطْفِ الْوَضْعِ أَنْ يَدْفَعَ تَوَهُّمَ وُقُوفِ الْعِلْمِ عِنْدَ الْخَفِيَّاتِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْغَيْبِ دُونَ الظَّوَاهِرِ بِأَنْ يَشْتَغِلَ عَنْهَا بِتَدْبِيرِ خَفِيَّاتِهَا كَمَا هُوَ شَأْن عُظَمَاء الْعُلَمَاءِ مِنْ الْخَلْقِ، لظُهُور اسْتِحَالَةِ تَوَجُّهِ إِرَادَةِ الْخَلْقِ نَحْوَ مَجْهُولٍ عِنْدَ مُرِيدِهِ.

وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ مِنْ عُمُومِ الْأَحْوَالِ. وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ. وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.

وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.

لَا جَرَمَ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنِ التَّكْوِينِ يَسْتَتْبِعُ ذِكْرَ الْمَوْتِ الْمَكْتُوبِ عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَجَاءَ بِذِكْرِ عِلْمِهِ الْآجَالَ وَالْأَعْمَارَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى سَعَةِ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ.

وَالتَّعْمِيرُ: جَعْلُ الْإِنْسَانِ عَامِرًا، أَيْ بَاقِيًا فِي الْحَيَاةِ، فَإِنَّ الْعَمْرَ هُوَ مُدَّةُ الْحَيَاةِ يُقَالُ:

عَمِرَ فُلَانٌ كَفَرِحَ وَنَصِرَ وَضَرِبَ، إِذَا بَقِيَ زَمَانًا، فَمَعْنَى عَمَّرَهُ بِالتَّضْعِيفِ: جَعَلَهُ بَاقِيًا مُدَّةً زَائِدَةً عَلَى الْمُدَّةِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي أَعْمَارِ الْأَجْيَالِ، وَلِذَلِكَ قُوبِلَ بِالنَّقْصِ مِنَ الْعُمُرِ، وَلِذَلِكَ لَا يُوصَفُ بِالتَّعْمِيرِ صَاحِبُهُ إِلَّا بِالْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ فَيُقَالُ: عُمِّرَ فُلَانٌ فَهُوَ مُعَمَّرٌ. وَقَدْ غَلَبَ فِي هَذِهِ الْأَجْيَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ فَمَا بَيْنَهُمَا، فَهُوَ عُمُرٌ مُتَعَارَفٌ، وَالْمُعَمَّرُ الَّذِي يَزِيدُ عُمُرُهُ عَلَى السَّبْعِينَ، وَالْمَنْقُوصُ عُمُرُهُ الَّذِي يَمُوتُ دُونَ السِّتِّينَ. وَلِذَلِكَ كَانَ أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ فِي تَعْمِيرِ الْمَفْقُودِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ الْإِبْلَاغَ بِهِ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ تَارِيخِ وِلَادَتِهِ وَوَقَعَ الْقَضَاءُ فِي تُونُسَ بِأَنَّهُ مَا تَجَاوَزَ ثَمَانِينَ سَنَةً، قَالُوا: لِأَنَّ الَّذِينَ يَعِيشُونَ إِلَى ثَمَانِينَ سنة غَيْرُ قَلِيلٍ فَلَا يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِاعْتِبَارِ الْمَفْقُودِ مَيِّتًا إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمِيرَاثُ وَلَا مِيرَاثَ بِشَكٍّ، وَلِأَنَّهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا تُزَوَّجُ امْرَأَتُهُ، وَشَرْطُ صِحَّةِ التَّزَوُّجِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ خَلِيَّةً مِنْ عِصْمَةٍ، وَلَا يَصِحُّ إِعْمَالُ الشَّرْطِ مَعَ الشَّكِّ فِيهِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِيهِ نَظَرٌ.

وَضَمِيرُ مِنْ عُمُرِهِ عَائِدًا إِلَى مُعَمَّرٍ عَلَى تَأْوِيلِ مُعَمَّرٍ بِ (أَحَدٍ) كَأَنَّهُ