للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا الْوَاوَاتُ الثَّلَاثَةُ فِي قَوْلِهِ: وَالْبَصِيرُ وَلَا النُّورُ وَلَا الْحَرُورُ فَكُلُّ وَاوٍ عَاطِفٌ مُفْرَدًا عَلَى مُفْرَدٍ، فَهِيَ سِتَّةُ تَشْبِيهَاتٍ مُوَزَّعَةٌ عَلَى كُلِّ فَرِيقٍ فَ الْبَصِيرُ عُطِفَ عَلَى الْأَعْمى، والنُّورُ عُطِفَ عَلَى الظُّلُماتُ، والْحَرُورُ عُطِفَ عَلَى الظِّلُّ، وَلِذَلِكَ أُعِيدَ حَرْفُ النَّفْيِ.

وَأَمَّا أَدَوَاتُ النَّفْيِ فَاثْنَانِ مِنْهَا مُؤَكَّدَانِ لِلتَّغَلُّبِ الْمُوَجَّهِ إِلَى الْجُمْلَتَيْنِ الْمَعْطُوفَتَيْنِ الْمَحْذُوفِ فِعْلَاهُمَا وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا الظِّلُّ، وَاثْنَانِ مُؤَكَّدَانِ لِتَوَجُّهِ النَّفْيِ إِلَى الْمُفْرَدَيْنِ الْمَعْطُوفَيْنِ عَلَى مُفْرَدَيْنِ فِي سِيَاقِ نَفْيِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا عُطِفَا عَلَيْهِمَا وَهُمَا وَاوُ وَلَا النُّورُ، وَوَاوُ وَلَا الْحَرُورُ، وَالتَّوْكِيدُ بَعْضُهُ بِالْمِثْلِ وَهُوَ حَرْفُ لَا وَبَعْضُهُ بِالْمُرَادِفِ وَهُوَ حَرْفُ مَا وَلَمْ يُؤْتَ بِأَدَاةِ نَفْيٍ فِي نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الَّذِي ابْتُدِئَ بِهِ نَفْيُ الِاسْتِوَاءِ الْمُؤَكَّدِ مِنْ بَعْدُ فَهُوَ كُلُّهُ تَأْيِيسٌ. وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ قُرْآنِيٌّ بَدِيعٌ فِي عَطْفِ الْمَنْفِيَّاتِ مِنَ الْمُفْرَدَاتِ وَالْجُمَلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ [٣٤] .

وَجُمْلَةُ وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ أُظْهِرَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْفِعْلُ الَّذِي قُدِّرَ فِي الْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا وَهُوَ فِعْلُ يَسْتَوِي لِأَنَّ التَّمْثِيلَ هُنَا عَادَ إِلَى تَشْبِيهِ حَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ إِذْ شَبَّهَ حَالَ الْمُسْلِمِ بِحَالِ الْأَحْيَاءِ وَحَالَ الْكَافِرِينَ بِحَالِ الْأَمْوَاتِ، فَهَذَا ارْتِقَاءٌ فِي تَشْبِيهِ الْحَالَيْنِ مِنْ تَشْبِيهِ الْمُؤْمِنِ بِالْبَصِيرِ وَالْكَافِرِ بِالْأَعْمَى إِلَى تَشْبِيهِ الْمُؤْمِنِ بِالْحَيِّ وَالْكَافِرِ بِالْمَيِّتِ، وَنَظِيرُهُ فِي إِعَادَةِ فِعْلِ الِاسْتِوَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [١٦] :

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ.

فَلَمَّا كَانَتِ الْحَيَاةُ هِيَ مَبْعَثُ الْمَدَارِكِ وَالْمَسَاعِي كُلِّهَا وَكَانَ الْمَوْتُ قَاطِعًا لِلْمَدَارِكِ وَالْمَسَاعِي شُبِّهَ الْإِيمَانُ بِالْحَيَاةِ فِي انْبِعَاثِ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْهُ وَفِي تَلَقِّي ذَلِكَ وَفَهْمِهِ،

وَشُبِّهَ الْكُفْرُ بِالْمَوْتِ فِي الِانْقِطَاعِ عَنِ الْأَعْمَالِ وَالْمُدْرَكَاتِ النَّافِعَةِ كُلِّهَا وَفِي عَدَمِ تَلَقِّي مَا يُلْقَى إِلَى صَاحِبِهِ فَصَارَ الْمُؤْمِنُ شَبِيهًا بِالْحَيِّ مُشَابَهَةً كَامِلَةً لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، فَكَأَنَّهُ بِالْإِيمَانِ نُفِخَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٢٢] أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ، وَكَانَ الْكَافِرُ شَبِيهًا بِالْمَيِّتِ مَا دَامَ عَلَى كُفْرِهِ. وَاكْتُفِيَ بِتَشْبِيهِ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ فِي مَوْضِعَيْنِ عَنْ