للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَقْتُ: الْبُغْضُ مَعَ خِزْيٍ وَصَغَارٍ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٢٢] ، أَيْ يَزِيدُهُمْ مَقْتُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَمَقْتُ اللَّهِ مَجَازٌ عَنْ لَازِمِهِ وَهُوَ إِمْسَاكُ لُطْفِهِ عَنْهُمْ وَجَزَاؤُهُمْ بِأَشَدِّ الْعِقَابِ.

وَتَرْكِيبُ جُمْلَةِ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً تَرْكِيبٌ عَجِيبٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا قَبْلَ الْكُفْرِ مَمْقُوتِينَ عِنْدَ اللَّهِ فَلَمَّا كَفَرُوا زَادَهُمْ كُفْرُهُمْ مَقْتًا عِنْدَهُ، فِي حَالِ أَنَّ الْكُفْرَ هُوَ سَبَبُ مَقْتِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَلَوْ لَمْ يَكْفُرُوا لَمَا مَقَتَهُمُ اللَّهُ. فَتَأْوِيلُ

الْآيَةِ: أَنَّهُمْ لَمَّا وُصِفُوا بِالْكُفْرِ ابْتِدَاءً ثُمَّ أَخْبَرَ بِأَنَّ كُفْرَهُمْ يَزِيدُهُمْ مَقْتًا عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِكُفْرِهِمُ الثَّانِي الدَّوَامُ عَلَى الْكُفْرِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَكَبَّرُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُشَاقُّونَهُمْ وَيُؤَيِّسُونَهُمْ مِنَ الطَّمَاعِيَّةِ فِي أَنْ يَقْبَلُوا الْإِسْلَامَ بِأَنَّهُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ دِينَ آبَائِهِمْ، وَيَحْسَبُونَ ذَلِكَ مَقْتًا مِنْهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ فَجَازَاهُمُ اللَّهُ بِزِيَادَةِ الْمَقْتِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ [غَافِر: ١٠] ، يَعْنِي: يُنَادَوْنَ فِي الْمَحْشَرِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً.

وَالْخَسَارُ: مَصْدَرُ خَسِرَ مِثْلُ الْخَسَارَةِ، وَهُوَ: نُقْصَانُ التِّجَارَةِ. وَاسْتُعِيرَ لِخَيْبَةِ الْعَمَلِ شَبَّهَ عَمَلَهُمْ فِي الْكُفْرِ بِعَمَلِ التَّاجِرِ وَالْخَاسِرِ، أَيِ الَّذِي بَارَتْ سِلْعَتُهُ فَبَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ فَأَصَابَهُ الْخَسَارُ فَكُلَّمَا زَادَ بَيْعًا زَادَتْ خَسَارَتُهُ حَتَّى تُفْضِيَ بِهِ إِلَى الْإِفْلَاسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا فِي سُورَة الْبَقَرَة.

[٤٠]

[سُورَة فاطر (٣٥) : آيَة ٤٠]

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠)

لَمْ يَزَلِ الْكَلَامُ مُوَجَّهًا لِخِطَابِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَلَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْمُشْرِكِينَ وَتَعَنُّتِهِمْ وَحُسْبَانِ أَنَّهُمْ مَقَتُوا الْمُسْلِمِينَ عَادَ إِلَى الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ فِي بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ آلِهَتِهِمْ بِحُجَّةِ أَنَّهَا لَا يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ شَيْءٌ يَدَّعِي